بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/05/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / الشقاق/ المراد من بعث الحَکَم في الأخبار و الروايات

 

بناءً على ما تقدّم، يقال: إنّ الذي ادّعاه بعض من توجّه الأمر بالبعث إلى الزوجين، مخالف لظاهر الآية قطعاً، لأنّ الضمير في (فَابْعَثُوا) عائد إلى ما يرجع إليه الضمير في (خِفْتُمْ) نفسه، ومعلوم أنّ الضمير في (خِفْتُمْ) لا يرجع إلى الزوجين، لأنّ الضمير في (بَيْنِهُمَا) راجع إليهما قطعاً، بينما هذا ضمير للغائب، وعليه فإنّ ضمير (خِفْتُمْ) الذي يکون للمخاطب يمتنع أن يرجع إليهما.

وأمّا اعتبار الأمر متوجّهاً إلى الحاكم فالظاهر ـ كما أُشير إليه في كلمات العلامة في المختلف ـ أنّه لا وجه له إلا كون الحكومة من شؤون الحاكم وعدم إمكان بعث الحَكَم إلا من قبله، لأنّ عامّة الناس ليس لهم ولاية ولا سلطان لبعضهم علی بعض حتّى يجعلوا حكَماً في ما ينشب من المنازعات ويبعثوه لحلّها.

غير أنّه يُعلم بناءً على ما ورد من الأخبار في تفسير الآية أنّ المراد من بعث الحَكَم هو بعث من له شأنيّة الحَكَميّة لا جعله حَكَماً أوّلاً ثمّ بعثه.

والأخبار المذكورة كما يلي:

1 ـ موثّقة سماعة المتقدّمة.

2 ـ موثّقة محمّد بن مسلم عن أحدهما(ع)، قال: «سألته عن قول الله عزّ وجلّ: (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا)؟ قال: ليس للحكمين أن يفرّقا حتّی يستأمرا.»[1] [2]

3 ـ خبر أبي بصير عن أبي عبدالله(ع): «في قول الله عزّ وجلّ: (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا)، قال: الحكمان يشترطان، إن‌ شاءا فرّقا وإن شاءا جمعا، فإن جمعا فجائز وإن فرّقا فجائز.»[3] [4]

4 ـ خبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(ع)، قال: «سألته عن قول الله: (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها)؟ قال: ليس للمصلحين أن يفرّقا حتّى يستأمرا.»[5] [6]

5 ـ خبر زيد الشحّام عن أبي عبدالله(ع): «عن قول الله: (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها)، قال: ليس للحكمين أن يفرّقا حتّى يستأمر الرجل والمرأة.»[7] [8]

6 ـ خبر الحلبي عن أبي عبدالله(ع): «ويشترط عليهما إن شاءا جمعا وإن شاءا فرّقا، فإن جمعا فجائز، فإن فرّقا فجائز.»[9] [10]

7 ـ خبر فضالة: «فإن رضيا وقلّداهما الفرقة ففرّق فهو جائز.»[11] [12]

ووجه التمسّك بهذه الأخبار لإثبات الدعوى الآنفة أنّه إذا كان المبعوث مبعوثاً من قبل الحاكم بعنوان الحَكَم، فلا وجه لأن يتوقّف أمره بالطلاق على استئذان الزوجين، إذ ولو ادّعي أنّه لا يحقّ للحاكم أن يطلّق بدون إذن الزوج، فيلزم منه استئذان الزوج فقط وليس الزوجة، بينما الوارد في الروايات أنّ نفوذ حُكم الحَكَمين بالطلاق يحتاج إلى استئذان الزوج والزوجة، وهذا يعني أنّ حَكَميّة الحَكَمين إنّما تقع بعد قبول طرفي النزاع بهما حَكَماً دون قبله. وعليه فالذي ورد في الآية الشريفة بعنوان بعث الحَكَم، فالمراد منه بعث من له شأنيّة الحَكَميّة التي تتحقّق بعد استئذان طرفي النزاع، لا من تتمّ حَكَميّته في النزاع بمجرّد البعث.

وأمّا ما قيل من أنّ المبعوث حَكَم بمجرّد البعث ولكن إذا لم يستأذن الزوجين فلا يحقّ له إلا الإصلاح ويتوقّف حكمه بالفراق على إذن الزوجين، فهو مشكل بأنّ الذي لا يحقّ له إلا الإصلاح ليس حَكَماً وإنّما هو مصلح، ويؤيّد هذا المعنى التعبير الوارد في خبر محمّد بن مسلم، لأنّ الإمام(ع) قال فيه أنّ المصلحين لا يحقّ لهما الحکم بالطلاق ما لم يستأذنا، ممّا يعني أنّهما مصلحان بدون الاستئذان وليسا حَكَمين.

نعم، إذا أُريد بالإصلاح الحُكم بالإصلاح فلا نقبل بأصل الدعوى، وسيأتي تفصيله تباعاً.

وعليه فبما أنّ العمل المتوقّع من المبعوثين ليس غير الإصلاح وأنّ حَكَميّتهما متوقّفة على إذن طرفي النزاع ولا يشترط إذن حاكم الشرع في مشروعيّة حُكم قاضي التحكيم، فلا وجه لأن يقال: لا يكون بعث الحَكَمين إلا من قبل الحاكم.

وسنتابع حصيلة البحث في الجلسة القادمة إن شاء الله.


[1] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج6، ص147.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج21، ص352، أبواب القسم و النشوز و الشقاق، باب12، ح1، ط آل البيت.
[3] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج6، ص146.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج21، ص352، أبواب القسم و النشوز و الشقاق، باب12، ح2، ط آل البيت.
[5] تفسير العيّاشي، العياشي، محمد بن مسعود، ج1، ص240.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج21، ص353، أبواب القسم و النشوز و الشقاق، باب13، ح2، ط آل البيت.
[7] تفسير العيّاشي، العياشي، محمد بن مسعود، ج1، ص241.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج21، ص353، أبواب القسم و النشوز و الشقاق، باب13، ح2، ط آل البيت.
[9] تفسير العيّاشي، العياشي، محمد بن مسعود، ج1، ص241.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج21، ص354، أبواب القسم و النشوز و الشقاق، باب13، ح4، ط آل البيت.
[11] تفسير العيّاشي، العياشي، محمد بن مسعود، ج1، ص241.
[12] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج21، ص354، أبواب القسم و النشوز و الشقاق، باب13، ح5، ط آل البيت.