46/05/18
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / الشقاق/ الأقوال في مخاطب الأمر ببعث الحَکَم
جرى البحث في أنّه من الذي يتوجّه إليه الأمر ببعث الحكَمين في الآية الشريف؟
قال الشيخ في التبيان: «المأمور ببعث الحكمين قيل: فيه قولان، أحدهما: قال سعيد بن جبير، والضحّاك، وأكثر الفقهاء ـ وهو الظاهر في أخبارنا ـ أنّه السلطان الذي يترافعان إليه.
والثاني: قال السِدي: إنّه الرجل والمرأة، وقيل: أيّهما كان ناب عن الآخر، وهو اختيار الطبري.»[1]
وظاهر كلامه في المبسوط أيضاً أنّه يرى إرسال الحكَم من قبل الحاكم مفروغاً عنه.[2]
وذهب إليه المفيد والديلمي والحلبي وابن البرّاج وابن زهرة وابن حمزة وابن إدريس والشهيد الأوّل[3] [4] [5] [6] [7] [8] [9] [10] ، فيمكن اعتبار هذا القول مشهوراً بين الفقهاء.
غير أنّ الصدوق قال: «يختار الرجل رجلاً وتختار المرأة رجلاً.»[11]
وقال المحقّق في النافع خلافاً لما ذكره في الشرائع مطابقاً للمشهور: «إذا خشي الاستمرار بعث كلّ منهما حكماً من أهله، ولو امتنع الزوجان بعثهما الحاكم.»[12]
وفصّل العلامة في المختلف وقال: «الأصل في ذلك أنّ البعث إن كان على سبيل التحكيم، تولاه الحاكم، وإن كان على سبيل التوكيل، تولاه الزوجان.»[13]
وإن اعتبر في سائر كتبه أنّ بعث الحكم من وظائف الحاكم مطلقاً.[14] [15] [16] [17]
قال الفاضل المقداد في الإشكال على دعوى المحقّق في النافع وتأييداً لكلام المشهور في التنقيح: «إنّه خاطب الحكّام بقوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقٰاقَ بَيْنِهِمٰا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا) وأتى بضميري الزوجين غائبين، ولو كان المراد كما قال المصنّف، لقال: «فلينصب كلّ منهما حكماً من أهله وحكماً من أهلها»، فإنّ الإنسان لا يبعث أحداّ إلى نفسه. نعم، قال ابنا بابويه في الرسالة والمقنع: يختار الرجل رجلاً والمرأة رجلاً، وهذا لا يدلّ على أنّهما الباعثان، لجواز أن يريد أنّ الباعث هو الحاكم لكن لا يبعث إلا من اختاره الزوجان.»[18]
وقال في كنز العرفان: «قيل: الخطاب في قوله (فَابْعَثُوا) للزوجين، وقيل أهل الزوجين، وقيل للحكّام المتداعي عندهم، وهو المنقول عن الباقر والصادق(ع)، وهو الأصحّ، لأنّ أوّل الكلام في «خِفْتُمْ» يدلّ عليه.»[19]
وقال الشهيد الثاني في المسالك: «جعل المصنّف والأكثر الباعث للحكمين هو الحاكم، وجعلوا ضمير (فَابْعَثُوا) في الآية راجعاً إلى الحكّام، وهو المناسب بمقام البعث والتحكيم، واللائق بقطع التنازع، والمرويّ.
وقال بعضهم: إنّ الضمير عائد إلى أهل الزوجين.
وقيل: إلى الزوجين أنفسهما. ويضعّف بأنّ ضمير الزوجين في الآية وقع مثنّى لغائب، والمأمور بالبعث هو الخائف من شقاقهما، وقد وقع الضمير عنه مخاطباً مجموعاً، وظاهر دلالته على المغايرة بينهما، ولو كان كما قيل لقال تعالى: فليبعث كلّ منهما حكماً من أهله، أو نحو ذلك، ولأنّ الإنسان لا يبعث أحداً إلى نفسه.
ويظهر من المصنّف في النافع اختيار هذا القول... وقريب منه كلام ابن الجنيد، إلا أنّه جعل الحاكم يأمر الزوجين بأن يبعثا من يختارانه من أهلهما، وفيه جمع بين الفائدتين والقولين. وفي موثّقة سماعة عن الصادق(ع) ما يرشد إلى كلام ابن الجنيد... ويمكن أن يستدلّ بها على أنّ المرسل الزوجان.
وكيف كان فالأقوى الأوّل، لما ذكرناه. وعليه فلو تعذّر الحاكم أو تعذّر إرساله فبعث الزوجان، كان المبعوث وكيلاً محضاً لا حكماً، فيفعل ما اقتضته الوكالة من عموم وخصوص، بخلاف ما لو جعلنا المأمور بالإرسال الزوجين أو أهلهما، فإنّه يأتي في المبعوث ما سنقرّره في كونه وكيلاً أو حكماً.»[20]
وأمّا السبب الذي دعاه إلى نسبة القول بكون الحاكم مأموراً بالإرسال إلى الإمامين الباقر(ع) والصادق(ع) فهو ما تقدّم عن الشيخ في التبيان، وذكره الطبرسي في المجمع بقوله: «هو الظاهر في الأخبار عن الصادقين»[21] وبما أنّ الفاضل المقداد تصوّر أنّ «الصادقين» تثنية، فقال أنّ الأخبار منقولة عن الإمام الباقر(ع) والإمام الصادق(ع)، بينما ليست دعوى الطبرسي غير مقالة الشيخ في التبيان وينبغي قراءة الصادقين جمعاً والمراد منه الأئمة الأطهار(ع) وليس خصوص الإمامين الباقر(ع) والصادق(ع).
وأمّا بالنسبة إلى الأخبار التي قد تدلّ على مورد المسألة فهذا ممّا سنتحدّث عنه في الجلسة القادمة إن شاء الله.