بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/05/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / الشقاق/ وجوب حلّ النزاع بين الزوجين – مخاطب الأمر لبعث الحَکَم

 

تقدّم في الجلسة السابقة أنّ الجواب على السؤال عن وجوب بعث الحَكَم في صورة وجود الشقاق بين الزوجين أو عدم وجوبه يتطلّب أوّلاً الإيضاح عمّا إذا كان حلّ النزاع مطلقاً أو فيما إذا کان شقاق بين الزوجين واجباً أو غير واجب؟

فإذا قلنا بأنّ حلّ النزاع أمر واجب ولو فيما نحن فيه، فحينئذٍ إذا توقّف حصوله على بعث الحكَمين فيكون بعثهما واجباً غيريّاً تعيينيّاً، وإذا أمكن حلّ النزاع بطريقة أُخرى فلا وجه لإيجاب بعثهما.

أمّا احتمال الوجوب النفسي لبعث الحكَمين ـ بمعنى أنّ بعثهما واجب شرعاً لمصلحة نفسيّة فيه وإن أمكن إنهاء الشقاق بين الزوجين بطريقة أُخرى أسهل وأكثر تأثيراً منه ـ فهذا ممّا يمكن الاطمئنان بخلافه، لأنّ الآية نفسها تشير إلى أنّ الغاية من بعث الحكَمين هو الإصلاح ولا مصلحة نفسيّة في بعثهما.

وأمّا وجوب حلّ النزاع مطلقاً أو في خصوص ما نحن فيه، فلا دليل عليه. نعم، لا يبعد بالنظر إلى قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتَّىٰ تَفِىءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[1] أن يقال: إذا تصاعد النزاع بين طائفتين من المسلمين إلى مستوى دخولهما في الحرب، فيجب على المسلمين كفايةً أن يصلحوا ذات بينهما ولو بدفع ظلم الجهة المتعدّية.

وبناءً على ذلك وطبقاً لما تقدّم في معنى الشقاق ـ من أنّه نزاع وخلاف ظاهر وصريح بين الزوجين بحيث لا يتصوّر حلّ لإنهائه من دون تدخّل طرف ثالث ـ فيمكن اعتبار الشقاق أيضاً من مصاديق هذه الآية الشريفة. فيكون الإقدام على إنهاء الشقاق بين الزوجين واجباً، وإذا توقّف رفع الشقاق على بعث الحَكَمين ـ كما تقدّم ـ فكان واجباً غيريّاً تعيينيّاً.

النكتة الثالثة: من المخاطب بالأمر ببعث الحَكَمين؟

اختلف الفقهاء والمفسّرون في من تقع وظيفة بعث الحَكَم على عهدته.

قال الفخر الرازي في تفسيره: «المخاطب بقوله: (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ)من هو؟ فيه خلاف. قال بعضهم: إنّه هو الإمام أو من يلي من قبله، وذلك لأنّ تنفيذ الأحكام الشرعيّة إليه. وقال آخرون: المراد كلّ واحد من صالحي الأُمّة، وذلك لأنّ قوله: (خِفْتُمْ)خطاب للجميع وليس حمله على البعض أولى من حمله على البقيّة، فوجب حمله على الكلّ، فعلى هذا يجب أن يكون قوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ)خطاباً لجميع المؤمنين. ثمّ قال:‌ (فَابْعَثُوا)، فوجب أن يكون هذا أمراً لآحاد الأُمّة بهذا المعنى. فثبت أنّه سواء وجد الإمام أو لم يوجد، فللصالحين أن يبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها للإصلاح. وأيضاً فهذا يجري مجرى دفع الضرر ولكلّ أحد أن يقوم به.» [2]

وسنتابع البحث في الجلسة القادمة إن شاء الله.


[1] ـ السورة حجرات، الأية 9.
[2] ـ تفسير الرازي، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، الرازي، فخر الدين، ج10، ص74.