46/05/16
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / الشقاق/ إشکال صاحب الرياض علی مدعی المحقق في معنی الشقاق – الأمر ببعث الحَکَم، وجوبيّ أم استحبابيّ
دار البحث في المعنى المراد من الشقاق في الآية الشريفة، وقد ذكرنا دعاوي بعض الأعلام.
قال صاحب الرياض مستشكلاً على دعوى المحقّق في النافع: «إنّما قُدّر الاستمرار في الآية مع خلّوها عنه لما قيل من أنّ ظهور النشوز منهما موجب لحصول الشقاق، فالمراد حينئذٍ: خوف استمراره.
وفيه نظر؛ لتوقّفه على كون مطلق الكراهة بينهما شقاقاً، وليس، لاحتمال أن يكون تمام الكراهة بينهما.
فيكون المراد: أنّه إذا حصلت كراهة كلّ منهما لصاحبه وخفتم حصول الشقاق بينهما، فابعثوا...
مع أنّه هو المتبادر منه عند الإطلاق والأولى من الإضمار على تقدير مجازيّته.
نعم، على هذا التقدير يتردّد الأمر بين المجاز المزبور وبين التجوّز في الخشية بحملها على العلم والمعرفة وإبقاء الشقاق على حقيقته التي هي مطلق الكراهة.»[1]
أمّا أولاً: فكما تقدّم أنّه لا تشترط الكراهيّة القلبيّة في وجود الشقاق.
وثانياً: ليس المتبادر من الشقاق وجود كراهيّة قلبيّة أو كراهيّة قلبيّة شديدة بين الزوجين.
وثالثاً: يستند حمل الخوف في الآية على العلم إلى قرينة لزوم بعث الحَكَم وكذا قرينة خارجيّة ـ أي الأخبار ـ التي تقدّم أنّها قالت بأنّ للحكمين أن يحكما بفراق الزوجين، بينما لا وجه للحكم به فيما إذا لم يكن بين الزوجين شقاق فعليّ.
النكتة الثانية: هل الأمر ببعث الحَكَم في صورة وجود الشقاق بين الزوجين أمر مولويّ يدلّ على الوجوب؟
قال الشهيد الثاني: «هل بعث الحكمين واجب أم مندوب؟ قولان، من دلالة ظاهر الأمر على الوجوب، وكون الظاهر من حال الشقاق وقوع الزوجين أو أحدهما في المحرّم فيجب تخليصهما منه حسبة، ومن إمكان الإصلاح بدون ذلك، فلا يكون واجباً وإن كان راجحاً نظراً إلى ظاهر الأمر. والوجه بناءً على أنّ البعث من وظائف الحاكم الوجوب. ولو جعلنا متعلّق الأمر الزوجين فالاستحباب أوجه، لإمكان رجوعهما إلى الحقّ بدون الحكمين. نعم، لو توقّف الرجوع إلى الحقّ عليهما، وجب بعثهما مطلقاً من باب المقدّمة.»[2]
وقال السيّد العاملي: «هل بعث الحاكم واجب أو مندوب؟ قولان، من ظاهر الأمر المقتضي للوجوب، ومن أنّ متعلّقه مصلحة دنيويّة فيكون للإرشاد، كما في قوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا إِذٰا تَبٰايَعْتُم)[3] .»[4]
وقال كاشف اللثام: «بعث وجوباً كما في السرائر لظاهر الأمر، أو استحباباً كما في التحرير للأصل، وكون الأمر في الأمور الدنيويّة ظاهراً في الإرشاد.
ولعلّ الصواب الوجوب إذا توقّف الإصلاح عليه، وإلا استحبّ أو جاز بلا رجحان.»[5]
ولكنّ الذي ورد في السرائر والتحرير ليس وجوب بعث الحَكَم أو عدم وجوبه، وإنّما لزوم أن يكون الحَكَم من أهل الزوج والزوجة ممّا أوجبه ابن إدريس بحسب الظاهر من الأمر في الآية[6] واعتبره العلامة مستحبّاً[7] .
كما أنّ صاحب الرياض بعد أن نسَب القول بالوجوب إلى ابن إدريس والقول بالجواز إلى العلامة في التحرير، أشكل على كلام العلامة وقال: «فيه نظر؛ لمنع كلّية السند، سيّما فيما إذا توقّف الإصلاح عليه.»[8]
وقال صاحب الجواهر: «الظاهر وجوب هذا البعث وفاقاً لجماعة، لظاهر الأمر، ولكون ذلك من الأمر بالمعروف، ومن الحسب التي نصب الحاكم لأمثالها... نعم، قد يقال بعدم تعيّن وجوب الكيفيّة المخصوصة مع إمكان إصلاح حالهما بغيرها، أمّا لو انحصر فيها تعيّن وجوبها.»[9]
غير أنّ المطلوب إيضاحه أوّلاً في الجواب على السؤال أنّه هل يجب حلّ النزاع مطلقاً أو بالنسبة إلى الزوجين الواقعين في الشقاق أم لا؟
وسنبيّن ذلك في الجلسة القادمة إن شاء الله.