بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/05/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / الشقاق / اقوال الفقهاء في معنی الشقاق- النظر المختار

في الجلسة السابقة تقدّم المعنى الغويّ للشقاق وكذا دعوى بعض المفسّرين في بيان مورد الآية الشريفة.

وقال ابن عاشور: «الآية دالّة على وجوب بعث الحكمين عند نزاع الزوجين النزاع المستمرّ المعبّر عنه بالشقاق.»‌[1]

أمّا الذي يمكن قوله بالنسبة إلى الآية هو أنّها ناظرة إلى مورد وقوع الخلاف بين الزوجين بحيث يختلف كلّ منهما مع الآخر ويرى نفسه محقّاً وأن يستمرّ هذا الخلاف، لأنّ الخلافات الجزئيّة يمكن وقوعها في كلّ نكاح، ومجرّد النزاع والخلاف لا يسمّى اختلاف الزوجين وشقاقهما.

وأمّا قولهم: إنّ مراد الآية مورد خوف وقوع الشقاق إذ لا معنى للحَكَميّة بعد حصوله، فليس بصحيح، لأنّ الحكميّة إنّما تتّجه ـ خلافاً للدعوى ـ فيما إذا حصل نزاع وشقاق فعليّ، وإلا فما لم يصبح الشقاق والنزاع فعليّاً فالمطلوب هو الممانعة دونه وليس الحكميّة، وتؤيّده الأخبار التي ستأتي إن شاء الله تعالی والتي تدلّ على أنّ الحَكَم له أن يحكم باستمرار الزوجيّة أو الفرقة، ومعلوم أنّه لا وجه للحُكم بالفرقة ما لم يكن بين الزوجين نزاع مستمرّ.

بل لا يبعد أن يقال: إنّ مورد الآية فيما إذا تطوّر النزاع والخلاف بين الزوجين إلى حدّ العلن واطّلاع الأُسرتين عليه، وإلا فإن اختلف الزوجان لكن حاولا أن لا يطّلع أحد على الأمر وتحمّل كلّ منهما الآخر لأيّ سبب كان واستمرّا في الحياة، فلا وجه للزوم بعث حَكَم لرفع النزاع والشقاق بينهما.

ولذلك قال الشيخ في المبسوط: «إن علم من كلّ واحد منهما النشوز على صاحبه وبلغ الأمر بينهما إلى المشاتمة والمضاربة وتخريق الثياب وإلى ما لا يحلّ من قول أو فعل وّ لم يفعل الزوج الصلح ولا الفرقة ولا المرأة تأدية الحقّ ولا الفدية، فهذا الموضع الذي تناوله قوله تعالى: (وَ إِنْ‌ خِفْتُمْ‌ شِقٰاقَ‌ بَيْنِهِمٰا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ‌ أَهْلِهِ‌ وَحَكَماً مِنْ‌ أَهْلِهٰا).»‌[2]

غير أنّ المحقّق قال في النافع: «وأمّا الشقاق فهو أن يكره كلّ منهما صاحبه. فإذا خشي الاستمرار بعث كلّ منهما حكماً من أهله.»[3]

ولكن مجرّد الكراهة القلبيّة لا تعني الشقاق، إذ ربّما تحمّل الزوجان بعضهما على الرغم من الكراهة القلبية وتجنّبا بروز الصراع والنزاع، وإنّما الشقاق هو النزاع المستمرّ ولو لم ينشأ عن كراهة الزوجين القلبيّة لبعضهما، بل ربّما كانا راغبين في الاستمرار في الحياة مع بعض إلا أنّهما اختلفا في بعض الجهات.

وأمّا الذي ذكره في لزوم بعث الحَكَم في صورة استمرار الشقاق فهو ظاهر فيما سبق منّا من أن يكون مورد الآية ما إذا عُلم بشقاق الزوجين، لا فيما إذا لم يحدث الشقاق وخيف حدوثه.

غير أنّ صاحب الحدائق بعد أن نقل كلام الطبرسي في تفسير الآية ـ الذي ذكر حذواً للشيخ أن لا وجه لبعث الحَكَم بعد حدوث الشقاق ـ قال: «الظاهر أنّ المراد من قول شيخنا الطبرسي: «لأنّه لو علم الشقاق يقيناً لما احتيج إلى الحكمين» هو أنّ الغرض من بعث الحكمين هو الإصلاح بينهما باجتماع أو فرقة، ومتى كان الشقاق معلوماً علم أنّه لا يمكن الإصلاح بالاجتماع، فموضع إرسالهما إنّما هو في مقام يرجو فيه الاجتماع بأن يظهر الكراهة من كلّ منهما لصاحبه في الجملة إلا أنّه يرجى الاجتماع حينئذٍ، وهو يرجع إلى المعنى الثاني الذي ذكره في شرح النافع، والظاهر قربه.»[4]

ومراده من المعنى الثاني في شرح النافع هو الاحتمال الذي طرحه صاحب المدارك في نهاية المرام بالنسبة إلى معنى الآية حيث قال: «إنّ الشقاق إنّما يتحقّق مع تمام الكراهة بينهما، فيكون المراد أنّه إذا حصلت كراهة كلّ واحد منهما لصاحبه وخفتم حصول الشقاق بينهما، فابعثوا.»[5]

وإن كان صاحب المدارك نفسه رجّح أن يكون خوف الشقاق في الآية بمعنى الخوف من استمراره.

ولكن لا يمكن الالتزام بدعوى صاحب الحدائق فينبغي بناءً على أخبار الباب ـ كما تقدّم ـ أن نعتبر الخوف بمعنى العلم، وإلا ففيما إذا لم يحصل الشقاق بعدُ، فلا وجه للحُكم بالفراق.

وللكلام تتمّة سنطرحها في الجلسة القادمة إن شاء الله.


[1] ـ التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج5، ص46.
[2] ـ المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج4، ص339.
[3] ـ المختصر النافع في فقه الامامية، المحقق الحلي، ج1، ص191.
[4] ـ الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، البحراني، الشيخ يوسف، ج24، ص626.
[5] ـ نهاية المرام في تتميم مجمع الفائدة والبرهان، الموسوي العاملي، السيد محمد بن علي، ج1، ص430.