46/05/10
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / الشقاق / المعنى اللغويّ للشقاق
قال المحقّق الحلّي: «القول في الشقاق
و هو فعال من الشقّ، كان كلّ واحد منهما في شقّ.
فإذا كان النشوز منهما وخشي الشقاق، بعث الحاكم حكماً من أهل الزوج وآخر من أهل المرأة على الأولى، ولو كانا من غير أهلهما أو كان أحدهما جاز أيضاً.»[1]
يبغي في بداية البحث أن ندرس المعنى اللغويّ للشقاق.
قال في كتاب العين: «الشقاق: تشقّق جلد اليد والرجل من برد ونحوه... والشقاق: الخلاف...»[2]
وقال الجوهريّ: «شقّ فلان العصا، أي: فارق الجماعة. وانشقّت العصا، أي: تفرّق الأمر. والمُشاقّة والشقاق: الخلاف والعداوة.»[3]
وقال ابن منظور: «الشقاق: العدواة بين فريقين والخلاف بين اثنين، سمّي ذلك شقاقاً لأنّ كلّ فريق من فرقتي العدواة قصد شقّاً ـ أي: ناحية ـ غير شقّ صاحبه. وشقّ أمره يشقّه شَقّاً فانشقّ: انفرق وتبدّد اختلافاً. وشقّ فلان العصا: أي فارق الجماعة. وشقّ عصا الطاعة فانشقّت، وهو منه.»[4]
فتبيّن أنّ المراد من الشقاق هو العداوة واختلاف الطرفين وعدم الوئام بحيث ينسب إليهما وليس لطرف واحد، وما يقصد في المقام هو وظيفة المكلّفين عند بروز الشقاق بين الزوجين.
وأهمّ أدلة المسألة هي الآية الشريفة التي ورد فيها: (وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَماً مِّنۡ أَهۡلِهِ وَحَكَماً مِّنۡ أَهۡلِهَا إِن يُرِيدَا إِصۡلَاحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَا إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً)[5] .
وينبغي دراسة عدّة نكات في خصوص الآية.
النكتة الأُولى: ما هو مورد الآية؟
قال الشيخ في التبيان: «قوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ) في معناه قولان:
أحدهما: إن علمتم.
الثاني: الخوف الذي هو خلاف الأمن، وهو الأصحّ، لأنّه لو علم الشقاق يقيناً لم يحتج إلى الحكمين، فإن أُريد به الظنّ كان قريباً مما قلناه.
والشقاق: الخلاف والعداوة، واشتقاقه من الشقّ، وهو الجزء البائن، ومنه اسم المتشاقّين، لأنّ كلّ واحد منهما في شقّ، أي: في ناحية، ومنه: المشقّة في الأمر، لأنّه يشقّ على النفس.
فأمر الله متى خيف ذلك بين الزوجين أن يبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها.»[6]
وقال الفخر الرازي: «قال ابن عبّاس: (خِفْتُمْ) أي: علمتم. قال: وهذا بخلاف قوله: (وَاللَّاتِی تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ)، فإنّ ذلك محمول على الظنّ، والفرق بين الموضعين أنّ في الابتداء يظهر له أمارات النشوز فعند ذلك يحصل الخوف، وأمّا بعد الوعظ والهجر والضرب لمّا أصرّت على النشوز، فقد حصل العلم بكونها ناشزة، فوجب حمل الخوف هاهنا على العلم.
طعن الزجّاج فيه فقال: (خفْتُمْ) هاهنا بمعنى: أيقنتم خطأً، فإنّا لو علمنا الشقاق على الحقيقة، لم نحتج إلى الحكمين.
وأجاب سائر المفسّرين بأنّ وجود الشقاق وإن كان معلوماً إلا أنّا لا نعلم أنّ ذلك الشقاق صدر عن هذا أو عن ذاك، فالحاجة إلى الحكمين لمعرفة هذا المعنى.
ويمكن أن يقال: وجود الشقاق في الحال معلوم، ومثل هذا لا يحصل منه خوف، إنّما الخوف في أنّه هل يبقى ذلك الشقاق أم لا؟ فالفائدة في بعث الحكمين ليست إزالة الشقاق الثابت في الحال فإنّ ذلك محال، بل الفائدة إزالة ذلك الشقاق في المستقبل.»[7]
وسنتابع تكملة الحديث في الجلسة القادمة إن شاء الله.