بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

1446/05/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / النشوز / التنازل عن بعض الحقوق في سبيل الحفاظ علی الأسرة

 

طرحنا في الجلسة السابقة ما يلزم ذكره في خصوص عدم مراعاة الزوج لحقوق زوجته الواجبة.

وأمّا الذي تدلّ عليه الآية الشريفة بناءً على التفسير الذي قدّمته الأخبار هو أنّ الزوج إذا لم يكن يرغب في الزوجة وأراد القيام بفعل محلّل ناشئ عن عدم رغبته في زوجته ـ مثل طلاقها أو التزوّج من غيرها ـ فللزوجة أن تتنازل عن حقوقها التي على عهدة الزوج ـ كلاً أو جزءاً ـ إزاء أن لا يستخدم الزوج حقّه الشرعي، أو أن تعطي زوجها من أموالها فيتصالحان.

قال الشيخ في التبيان بياناً لشأن نزول الآية الكريمة: «قال ابن عبّاس: خشيت سودة بنت زمعة أن يطلّقها رسول الله(ص) فقالت: لا تطلّقني وأجلسني مع نسائك ولا تقسم لي، فنزلت:‌ (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً).

وقال سعيد بن المسيب عن سليمان بن يسار: إنّ رافع بن خديج كانت تحته امرأة قد علا من سنّها ـ قال أبو جعفر: هي بنت محمّد بن مسلمة ـ فتزوّج عليها شابّة فآثر الشابّة عليها، فأبت الأُولى أن تقرّ على ذلك، فطلّقها تطليقة حتّى إذا بقي من أجلها يسيراً قال: إن شئت راجعتك وصبرت على الأثرة، وإن شئت تركتك حتّى يخلو أجلك، ثمّ طلّقها الثانية وفعل فيها ما فعل أوّلاً، قالت: بل راجعني وأصبر على الأثرة، فراجعها. فذلك الصلح الذي بلغنا أنّ الله أنزل فيه.»[1]

ولا يُعلم أنّ المراد من «أبي جعفر» في كلام الشيخ هل هو الإمام الباقر(ع) أم لا، إذ المراد منه في كلامه في بعض الموارد هو محمّد بن جرير الطبري، وإن كان الطبري لم يشر في تفسيره إلى كون بنت محمّد بن مسلمة زوجة لراف

وذُكر نظير القضيّة في رافع وابنة محمّد بن مسلمة في تفسير عليّ بن إبراهيم[2] وهو وإن كان نقل المطلب السابق عليه عن الإمام الباقر(ع) غير أنّه لا قرينة على نقل هذه القضيّة أيضاً عنه(ع).

وعلی أيّ حال فالآية الشريفة في الواقع تحاول بيان أنّ في الحفاظ على الأُسرة والحؤول دون انهيارها مصلحة، وإذا كان أحد الزوجين مستعدّاً للتنازل عن بعض حقوقه في سبيل الحفاظ على الأُسرة ، فهذا ليس جائزاً فحسب بل ومطلوب للشار

ولكن إذا مارس الزوج ضغوطاً على الزوجة في سبيل أن تتنازل هي عن حقوقها وقام بما يخالف الشرع من إيذائها أو عدم مراعاة حقوقها الواجبة، فالآية لا تدلّ على مطلوبيّة المصالحة وتنازل الزوجة عن حقوقها في هذه الصورة.

قال العلامة في خصوص ما إذا أجبر الزوج زوجته بالتنازل عن بعض حقوقها الواجبة عليه: «لو قهرها عليه لم يحلّ. ولو منعها شيئاً من حقوقها المستحبّة أو أغارها فبذلت له مالاً للخلع صحّ‌، ولم يكن إكراهاً.»[3]

وما ذكره في الخلع يشير إلى دعوى العامّة.

قال في المغني: «إن عضل زوجته وضارّها بالضرب والتضييق عليها أو منعها حقوقها من النفقة والقسم ونحو ذلك لتفتدي نفسها منه ففعلت، فالخلع باطل والعوض مردود... وبه قال مالك والثوري وقتادة والشافعي وإسحاق؛ وقال أبو حنيفة: العقد صحيح والعوض لازم، وهو آثم عاصٍ.»[4]

غير أنّ الشهيد الثاني خالفه قائلاً: «ما ذكرناه حكم بذلها الحقّ‌ مع عدم تقصيره. وظاهر الآية جواز قبوله ذلك وحلّه له وإن كان آثماً في نشوزه، وكذلك عبارة المصنّف. والحكم فيه كذلك، لأنّ مثل ذلك لا يعدّ إكراهاً على بذل حقّها وإن أثم في تقصيره. نعم، لو قهرها على بذله فلا شبهة في عدم حلّه. ويظهر من رواية الحلبي تفسير الآية بالمعنى الأوّل خاصّة، وهو أولى.»[5]

ولصاحب الرياض أيضاً مطالب في هذا الشأن سنطرحها في الجلسة القادمة إن شاء الله.


[1] ـ تفسير التبيان، الشيخ الطوسي، ج3، ص346.
[2] ـ تفسير القمي، القمي، علي بن ابراهيم، ج1، ص154.
[3] ـ قواعد الأحكام، العلامة الحلي، ج3، ص96.
[4] ـ المغني، ابن قدامة المقدسي، ج7، ص327.
[5] ـ مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج8، ص363.