بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

1446/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / النشوز / المراد من نشوز الزوج

 

إنّ المستفاد من الأخبار المتقدّمة في الجلسة السابقة أنّ المراد من النشوز في الآية الشريفة ليس المعنى الذي قدّمه الأصحاب ـ أي عدم مراعاة حقوق الزوجة الواجبة ـ وإنّما يراد به عدم رغبة الزوج في استمرار النكاح وإرادة الطلاق والانفصال، على أنّ المعنى الذي ذكره الأصحاب للنشوز لا يناسب المعنى اللغويّ له أيضاً، لأنّ النشوز لغةً تعني عدم الطاعة والتمرّد لا عدم مراعاة الحقوق الواجبة، ولذلك إذا لم يراع الأخ حقوق أخيه الواجبة ـ مثل صلة الرحم ـ فإنّه لا يعدّ ناشزاً بالنسبة إليه.

غير أنّه تقدّم في بداية البحث عند بيان المعنى اللغويّ أنّ أهل اللغة اعتبروا نشوز الرجل بممعنى عدم مراعاته لحقوق الزوجة الواجبة، ولكن لم يُعلم ابتناء ذلك على المعنى اللغويّ له، بل ربّما رأوا استعمال القرآن الكريم للنشوز بالنسبة إلى الرجل أيضاً فحاولوا بيان المراد منه. وبعبارة أُخرى: فلا يبعد أن يكون أهل اللغة قد بيّنوا المراد الاستعمالي من النشوز لا معناه الموضوع له.

وعلى كلّ حال فالذي يُعلم من الأخبار المذكورة هو أنّ الآية الشريفة لا تدلّ على عدم مراعاة الزوج لحقوق زوجته الواجبة، ومقتضى عموم الأدلّة في هذه الصورة هو أن يحقّ للزوجة المرافعة والمطالبة بإحقاق الحقّ وعلى الحاكم أن يلزم الزوج بمراعاة تلك الحقوق.

قال الشهيد الثاني في خصوص أنّ الحاكم كيف يمكنه الاطّلاع على شروط الزوجين وبعد ذلك كيف ينبغي له أن يحكم: «ثمَّ‌ الحاكم إن عرف الحال باطّلاع أو إقرار الزوج أو بشهود مطّلعين على حالهما وإلا نصب عليهما ثقة في جوارهما أو غيره يخبرهما ويحكم بما يتبيّن، فإن ثبت تعدّي الزوج نهاه عن فعل ما يحرم وأمره بفعل ما يجب، فإن عاد إليه عزّره بما يراه.

ولو امتنع من الإنفاق مع قدرته جاز للحاكم أن ينفق عليها من ماله ولو ببيع شيء من عقاره إذا توقّف عليه.»[1]

ثمّ إنّه هل يحقّ للزوجة أيضاً في هذه الصورة أن تهجر الزوج أو تضربه؟

قال صاحب الجواهر: «ليس لها هجره ولا ضربه كما صرّح به غير واحد، مرسلين له إرسال المسلّمات وإن رجت عوده إلى الحقّ بهما، لأنّهما متوقّفان على الإذن الشرعي وليست، بل في الآيتين ما ينبّه على تفويض ذلك إليه لا إليها، وأنّه هو اللائق بمقامه ومقامها، ولا بأس به وإن نافى إطلاق أدلّة الأمر بالمعروف، إذ يمكن دعوى سقوط هذه المرتبة منه هنا كما تسقط بالنسبة للولد والوالد. نعم، إن عرف الحاكم ذلك باطّلاع أو إقرار أو شهود مطّلعين عليهما، نهاه عن فعل ما يحرم وأمره بفعل ما يجب، فإن نفع وإلا عزّره بما يراه، وله أيضاً الإنفاق من ماله مع امتناعه من ذلك ولو ببيع عقاره إذا توقّف عليه.»[2]

ولكنّ الحقّ أنّ للزوجة أيضاً أن تقوم بأفعالٍ لإحقاق حقّها مادامت لم تخالف الشرع، فمثلاً لها أن تبرز عدم رضاها للزوج بطريقة ما ـ مثل أن تمتنع عن العمل في الدار ـ أو تهدّده بطريقة أو أُخرى مثل تهديده بإعلان القضيّة أو الشكوى إلى حاكم الشرع. وأمّا عدم مراعاته لحقوق الزوج الواجبة فهو متوقّف على کون الحقوق الزوجيّة متقابلة حيث يمكن الادّعاء في هذه الصورة بأنّه إذا امتنع أحد الطرفين عن القيام بواجبه إزاء الطرف الآخر، فللآخر أن يمتنع عن وظائفه تجاهه أيضاً.

نعم، جواز الضرب تعدٍّ يتوقّف جوازه على وجود دليل خاصّ وهو مفقود في المقام، إلا إذا اعتبرنا الضرب كما تقدّم بمعنى التهديد لا إيراد ضرر جسماني حيث لا يبعد في هذه الصورة أن تكون بعض أقسامه جائزةً ممّا لا يستلزم التعدّي عرفاً، وإن كان تهديد الزوجة زوجَها بالضرب نادراً جداً في الواقع الخارجي.


[1] ـمسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج8، ص362.
[2] ـ جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج31، ص207.