46/05/01
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: القسم والنشوز والشقاق / النشوز / الأخبار الدالة علی نهي ضرب الزوجة
في مقابل الأخبار المتقدّمة، هناك أخبار تنهى عن ضرب الزوجة:
منها: ما عن رسول الله(ص): «أيّ رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عزّ وجلّ مالكاً ـ خازن النيران ـ فيَلطِمه على حُرّ وجهه سبعين لطمة في نار جهنّم. وأيّ رجل منكم وضع يده على شعر امرأة مسلمة سُمّر كفّه بمسامير من نار.»[1]
ومنها: ما روي عنه(ص): «أنّه نهی عن ضرب النساء من غير واجب.»[2]
ومنها: ما نقل عنه(ص) کذلك: «أيّما رجل ضرب امرأته فوق ثلاث، أقامه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق فيفضحه فضيحة ينظر إليه الأوّلون والآخرون.»[3]
ومنها: ما روي عنه(ص): «أخبرني أخي جبرئيل ولم يزل يوصيني بالنساء حتّى ظننت أن لا يحلّ لزوجها أن يقول لها: أُفٍّ.»[4]
و منها: ما عن معاوية القشيري قال: «أتيت رسول الله(ص) قال: فقلت: ما تقول في نسائنا؟ قال: أطعموهنّ ممّا تأكلون، واكسوهنّ ممّا تكتسون، ولا تضربوهنّ، ولا تقبّحوهنّ.»[5]
ومنها: ما عن عبدالله بن زمعة، عن النبي(ص)، قال: «لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثمّ يجامعها في آخر اليوم.»[6]
فهذه الروايات وإن كانت غير معتبرة سنداً إذا أُخذت كلّ واحدة منها بمفردها، غير أنّ مجموعها يعطي نوعاً من الوثوق بعدم جواز ضرب الزوج للزوجة.
اللهمّ إلا أن يقال: إنّ إطلاق هذا الحكم مقيّد بالآية الشريفة، وأنّ الآية تجوّز الضرب في مورد النشو
غير أنّ مجاميع الخاصّة الروائيّة روت روايتين تتعلّقان بالآية نحواً ما.
1 ـ الرواية التي نقلها الشعيري من علماء القرن السادس مرسلاً عن النبي الأكرم(ص) أنّه قال: «إنّي أتعجّب ممّن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها. لا تضربوا نساءكم بالخشب، فإنّ فيه القصاص، ولكن اضربوهنّ بالجوع والعُري حتّى تربحوا في الدنيا والآخرة.»[7] [8]
وما يمكن استفادته من الرواية هو أنّه لا يجوز ضرب الزوجة بما يوجب القصاص، فينبغي تنبيهها بأساليب أُخرى كحرمانها النفقة.
غير أنّ حمل الآية على هذا المعنى يتطلّب أوّلاً أن ننظر هل ورد الضرب في اللغة بمعنى المنع والحجر أم لا؟
قال الخليل في كتاب العين: «ضرب فلان على يد فلان: حبس عليه أمراً أخذ فيه وأراده، ومعناه: حجر عليه.»[9]
وقال ابن منظور: «ضرب يده إلى عمل كذا، وضرب على يد فلان: إذا منعه من أمر أخذ فيه، كقولك حجر عليه.»[10]
غير أنّ حمل الآية على هذا المعنى يحتاج إلى تقدير عبارات من قبيل «أيديهنّ»، فنقول: إنّ مراد الآية هو «واضربوا على أيديهنّ» أو «واضربوا أيديهنّ» ممّا يخالف الظاهر.
نعم، إنّ بعض كتب اللغة المعاصرة ذكرت للضرب معنىً قد يقدّم حلاً.
قال الشرتوني في أقرب الموارد: «ضرب فلاناً عن فلان: کفّه عنه.»[11]
وورد في المنجد أيضاً نظير هذا المعنى[12] .
وعليه فيمكن القول بالنظر إلى الرواية المذكورة واللغة: إنّ المراد من «واضربوهنّ» ليس أن يواجه الزوج زوجته بضرب جسماني وإنّما أُريد به حرمانها، وبما أنّ الذي تُحرم منه الزوجة غير مذكور في الآية فإنّ حذفه يفيد العموم ويمكن ادّعاء أنّ الآية تدلّ على أنّ الزوج يستطيع في المرحلة الثالثة أن يمنع الزوجة من جميع حقوقها التي على عهدته.
ويؤيّد هذا المعنى قيد «في المضاجع» في الشطر السابق حيث ـ بناءً على ما تقدّم ـ يراد به أن يتمّ بيان عدم الرضا بنحو لا تضيع فيه حقوق الزوجة، فينبغي أن يكون هجرها في المضجع لألّا يضيع حقّ قسمها، ولكن لا مانع في المرحلة الثالثة من عدم مراعاة حقوقها.
2 ـ ما ورد في تفسير العيّاشيّ عن زرارة عن الإمام الباقر(ع) أنّه قال: «إذا نشزت المرأة على الرجل فهي الخُلعة، فليأخذ منها ما قدرت عليه، وإذا نشز الرجل مع نشوز المرأة فهو الشقاق.»[13] [14]
ومن المعلوم أنّه لا يمكن القول بوقوع طلاق الخلع بمجرّد نشوز المرأة، وعليه فإنّ التعبير بالخلعة ينبغي أن يكون كناية عن أنّه كما أنّ للزوج في طلاق الخلع أن يطالب الزوجة بالمال إزاء الطلاق، فيحقّ له ذلك في نشوز الزوجة كذلك، ولذلك قال بعد ذلك: يمكن أن يؤخذ منها ما قدرت عليه.
غير أنّ من المعلوم أنّ الزوج لا يمكنه أن يطالب الزوجة بالمال وأن يجبرها على دفعه له بواسطة النشوز، وعليه فالمراد من أخذ ما قدرت عليه هو أنّ الزوج يجوز له أن يستعيد منها الأموال التي أعطاها إيّاها نفقةً، لكن بشرط أن لا يكون قدّ ملّكها إيّاها بل أباح لها التصرّف وكانت الأموال باقية، فمثلاً له أن يسترجع منها البيت الذي أسكنها فيه.
وعليه فالمستفاد من هذه الرواية أيضاً كالرواية السابقة.
فما الذي ينبغي قوله في الحصيلة النهائيّة للمعنى المستفاد بالنظر إلى ما ذكر إلى هاهنا؟
هذا ما سنتعرّض إلى بيانه في الجلسة القادمة إن شاء الله.