46/04/29
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: القسم و النشوز و الشقاق / النشوز / مدعی ابن عاشور في جواز الضرب والرّد عليها
طرحنا في الجلسة السابقة بعض ما ورد في خصوص الضرب الوارد في الآية الشريفة.
غير أنّه ادّعي أنّ جواز الضرب في الآية الشريفة متعلّق بثقافة زمن نزول الآية خاصّة.
فقال ابن عاشور في هذا الشأن: «عندي أنّ تلك الآثار والأخبار محمل الإباحة فيها أنّها قد روعي فيها عرف بعض الطبقات من الناس، أو بعض القبائل، فإنّ الناس متفاوتون في ذلك، وأهل البدو منهم لا يعدّون ضرب المرأة اعتداءً، ولا تعدّه النساء أيضاً اعتداءً... فإذا كان الضرب مأذوناً فيه للأزواج دون ولاة الأُمور وكان سببه مجرّد العصيان والكراهيّة دون الفاحشة، فلا جرم أنّه أُذن فيه لقوم لا يعدّون صدوره من الأزواج إضراراً ولا عاراً ولا بدعاً من المعاملة في العائلة، ولا تشعر نساؤهم بمقدار غضبهم إلا بشيء من ذلك...»[1]
وقال بعد ذلك: «وأمّا الضرب فهو خطير وتحديده عسير، ولكنّه أُذن فيه في حالة ظهور الفساد، لأنّ المرأة اعتدّت حينئذٍ، ولكن يجب تعيين حدّ في ذلك يبيّن في الفقه، لأنّه لو أُطلق للأزواج أن يتولّوه وهم حينئذٍ يشفون غضبهم، لكان ذلك مظنّة تجاوز الحدّ، إذ قلّ من يعاقب على قدر الذنب، على أنّ أصل قواعد الشريعة لا تسمح بأن يقضي أحد لنفسه لولا الضرورة. بيد أنّ الجمهور قيّدوا ذلك بالسلامة من الإضرار، وبصدوره ممّن لا يعدّ الضرب بينهم إهانة وإضراراً. فنقول: يجوز لولاة الأُمور إذا علموا أنّ الأزواج لا يحسنون وضع العقوبات الشرعيّة مواضعها ولا الوقوف عند حدودها أن يضربوا على أيديهم استعمال هذه العقوبة، ويعلنوا لهم أنّ من ضرب امرأته عوقب كيلا يتفاقم أمر الإضرار بين الأزواج، لا سيّما عند ضعف الوازع.»[2]
ولکن دعوى اختصاص الآية بفئة معيّنة من الناس ممّن يعدّون ضرب الزوجة أمراً طبيعيّاً ومقبولاً فهو يخالف ظاهر الآية حيث إنّ المخاطب بالضرب هو نفس المخاطب بالوعظ والهجر. كما أنّ جواز الضرب لا ينافي أن لا يقدر أحد أطراف الدعوى أن يكون قاضياً ومنفّذاً للحكم أيضاً، إذ تقدّم أنّ الضرب في المقام ليس عقوبة وإنّما هو من باب التأديب.
وأمّا أن يقدّر حاكم الشرع على جعل حكم ثانوي من باب مراعاة المصلحة والحكم بتوقّف تنفيذ الحكم الأوّلي، فهو صحيح يمكن الالتزام به.
ثمّ إنّه وردت في أحاديث العامّة أخبار بشأن ضرب الزوجة، بعضها ناظر إلى تفسير الآية الشريفة:
منها: ما عن أبي حرّة الرقاشي، عن عمّه، قال: «كنت آخذاً بزمام ناقة رسول الله(ص) في أوسط أيّام التشريق... فقال: يا أيّها الناس! هل تدرون في أيّ يوم أنتم؟ وفي أيّ شهر أنتم؟ وفي أيّ بلد أنتم؟ قالوا: في يوم حرام، وشهر حرام، وبلد حرام، قال: ...فاتّقوا الله في النساء، فإنّهنّ عندكم عوان، لا يملكن لأنفسهنّ شيئاً، وإنّ لهنّ عليكم ولكم عليهنّ حقّاً أن لا يوطئن فرشكم أحداً غيركم، ولا يأذنّ في بيوتكم لأحد تكرهونه، فإن خفتم نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع، واضربوهنّ ضرباً غير مبرّح. قال حميد: قلت للحسن: ما المبرّح؟ قال: المؤثّر...»[3]
ومنها: ما عن جعفر بن محمّد، عن أبيه(ع)، قال: «دخلنا على جابر بن عبدالله، فسأل عن القوم حتّى انتهى إليّ، فقلت: أنا محمّد بن عليّ بن حسين... فقال: مرحباً بك يا ابن أخي! سل عمّا شئت. فسألته وهو أعمى... فقلت: أخبرني عن حجّة رسول الله(ص)... فقال: إنّ رسول الله(ص) مكث تسع سنين لم يحجّ. ثمّ أُذّن في الناس في العاشرة أنّ رسول الله(ص) حاجّ، فقدم المدينة بشر كثير كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله(ص) ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه... فأتى بطن الوادي، فخطب الناس وقال: ...فاتّقوا الله في النساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمان الله واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضرباً غير مبرّح ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف.»[4]
غير أنّ ظاهر الخبرين هو أنّ جواز الضرب في مقام الدفاع عن العِرض، فلا يمكن استفادة الجواز منهما مطلقاً، بل المفهوم منهما عدم جواز الضرب في غير مورد تهديد عرض الزوج من قبل الزوجة، وإذا اعتبرنا الروايات معتبرة يمكن الأخذ بها، فينبغي رفع اليد بها عن إطلاق الآية الشريفة.