46/04/26
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: القسم و النشوز و الشقاق / النشوز / نکات في الهجر والضرب
6 ـ قال صاحب المدارك في نهاية المرام في كيفيّة الهجر: «أمّا الهجران في المضاجع فقيل: إنّ المراد منه أن يحوّل إليها ظهره في الفراش؛ ذهب اليه ابن بابويه وجعله المصنّف في الشرائع مرويّاً.
وقيل: أن يعتزل فراشها ويبيت على فراش آخر، اختاره الشيخ وابن إدريس.
وقيل: إنّ المعنى اهجروهنّ في بيوتهنّ التي يبتن فيها، أي: لا تبايتوهنّ.
وقيل: إنّه كناية عن ترك الجماع.
قال في الكشّاف: وقيل: معناه اكرهوهنّ على الجماع واربطوهنّ، من هجر البعير إذا شدّه بالهجار.»[1]
وورد في تفسير عليّ بن إبراهيم أنّ المراد من الهجر هو السبّ والشتم[2] ، ولكن لا وجه لهذا المعنى، لأنّ عبارة: )فِی الْمَضَاجِعِ( قرينة على أنّ المراد من الهجر شيء متعلّق بالمضجع.
قال الشهيد الثاني في المسالك: «وأمّا الهجران فالمعتبر منه هنا الهجران في المضجع، وله أثر ظاهر في تأديب النساء... والأولى الرجوع فيه إلى العرف وما تستفيد المرأة منه الهجران.
وأمّا هجرها في الكلام بأن يمتنع من كلامها في تلك الحالة، فلا بأس به إذا رجا به النفع ما لم يزد عن ثلاثة أيّام، لنهي النبي(ص) عنه فوق الثلاثة.»[3]
وأشار بما قاله من نهي النبي الأكرم(ص) عن هجرها في الكلام أكثر من ثلاثة أيّام إلى الأحاديث الواردة في هذا الباب، مثل صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله(ع) حيث قال(ع): «قال رسول الله(ص): لا هجرة فوق ثلاثة أيّام.»[4] [5]
والحقّ في المسألة ما ذهب إليه صاحب المسالك. والمهمّ في الموضوع هو تحقّق الهجر في المضجع، وأمّا كيفيّة تحقّقه فهو موكول إلى العرف ولم تذكر له طريقة شرعيّة محدّدة.
7 ـ طرحت أُمور عديدة في خصوص الضرب.
قال الشيخ في المبسوط: «أمّا الضرب فأن يضربها ضرب تأديب كما يضرب الصبيان على الذنب، ولا يضربها ضرباً مبرّحاً ولا مدمياً ولا مزمناً، ويفرّق الضرب على بدنها ويتّقى الوجه، وروى أصحابنا أنّه يضربها بالسواك، وقال قوم: يكون الضرب بمنديل ملفوف أو دِرّة ولا يكون بسياط ولا خشب.
وروي عن بعض الصحابة أنّه قال: كنّا معشر قريش تغلب رجالنا نساءنا، فقدمنا المدينة فكانت نساؤهم تغلب رجالهم، فاختلطت نساؤنا بنسائهم فذئرن على أزواجهنّ، فقلت: يا رسول الله(ص)! ذئرن النساء على أزواجهنّ، فرخّص في ضربهنّ، فطاف بآل محمّد(ص) نساء كثيرة يشكون أزواجهن،، فقال رسول الله(ص): لقد طاف بآل محمّد سبعون امرأة كلّهنّ يشكون أزواجهنّ، فلا يكوننّ أولئك خياركم.
معنى ذئرن، أي: اجترأن.»[6]
وقال في التبيان: «وأمّا الضرب فإنّه غير مبرّح بلا خلاف. قال أبو جعفر(ع): هو بالسواك.»[7]
غير أنّ هذه الرواية لم ترد في مجاميعنا الروائيّة ـ وإن ذکر الصدوق في الفقيه لزوم کون الضرب کذلك من دون إسناده إلی المعصوم(ع) والذي سيأتي ذکره ـ بل العجيب أنّه لم تصلنا رواية معتبرة في تفسير هذه الآية الشريفة، بينما وصلتنا روايات كثيرة في تفسير الآية 128 من سورة النساء في خصوص نشوز الزوج، ممّا سنقوم بدراستها في محلّها إن شاء الله.
ولذلك قال صاحب الجواهر في هذا الخصوص: «يقتصر على ما يؤمل معه طاعتها، فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به، وإلا تدرّج إلى الأقوى فالأقوى ما لم يكن مدمياً ولا مبرّحاً، وابتداؤه الضرب بالسواك.
وعليه يحمل ما عن الباقر(ع) من تفسيره به، لا أنّه منتهاه، ضرورة منافاة إطلاقه الآية وما دلّ على النهي عن المنكر وبُعده عن حصول الغرض به دائماً، مضافاً إلى إطلاق كلمات الأصحاب.»[8]
ولكن على فرض صحّة الرواية، فلا إشكال في رفع اليد عن إطلاق الآية بها، کما أنّه قلنا أنّ هذا الحكم ليس من باب النهي عن المنكر، وإطلاق كلمات الأصحاب ليس بحجّة شرعيّة.
ولكن استبعاد حصول الغرض بهذا الضرب فيمكن الردّ عليه بأنّ المراد من الضرب على أساس هذه الرواية هو التخويف بحيث تفهم منه الزوجة أنّ الزوج ساخط تماماً عن أفعالها، وأنّه جادّ في الإقدام على رفع تلك الأفعال، وهذا يحصل في بعض المواقف بمجرّد رفع الزوج يده عليها.
وسنتابع البحث في الجلسة القادمة إن شاء الله.