46/04/24
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: القسم والنشوز والشقاق / النشوز / معنی «الخوف من النشوز» في الآية - لزوم مراعات الترتيب بين الوعظ والهجر والضرب
في سياق البحث عن أحكام نشوز الزوجة نقول: إنّ الآية الشريفة في سياقها تذكر بصيغة المخاطب أُموراً ظاهرها أنّ الأزواج هم المخاطبين بها.
وينبغي الالتفات إلى عدّة نقاط في خصوص ما ذكر:
1ـ قوله تعالى: ﴿وَاللَّاتِی تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾[1] وإن فسّره غالب المفسّرين والفقهاء العظام بمعنى المرأة التي ظهرت علامات نشوزها ولم تعص بعدُ ـ وبعبارة أُخرى: فإنّها المرأة التي يُخاف تحقّق نشوزها ـ غير أنّ من مفسّرين[2] من فسّرها بمعنى النساء اللاتي يُخاف من عوارض نشوزهنّ وتداعياته، وعليه فالمراد منه النساء اللاتي برز نشوزهنّ، ولا يخلو ذلك من وجه، إذ وإن لزم منه مخالفة الظاهر وتقدير لفظ مثل «العواقب» غير أنّ مخالفة الظاهر ممّا لابدّ منه بدون هذا التقدير أيضاً، لأنّ المشهور عدم جواز الضرب بمجرّد خوف حصول النشوز، بل ادّعى الشيخ في المبسوط[3] و الخلاف[4] الإجماع عليه، وإن كان ظاهر كلام المحقّق في النافع[5] جواز الضرب بمجّرد ظهور أمارات النشوز وبعد عدم تأثير الوعظ والهجر. وعليه فينبغي تقدير لفظة «العواقب» أو أن نحكم بخلاف سياق الآية بأنّ الحكم الثالث المذكور فيها متعلّق بموضوع غير مذكور فيها ـ أي النشوز ـ ومعلوم أنّ مخالفة الظاهر في الحالة الأُولى أهون من الحالة الثانية.
علی أنّ القرينة على هذه الدعوى هي أنّه ورد في ذيل الآية قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً﴾ ممّا يترتّب عليه أن نعتبر الخوف من النشوز بمعنى الخروج عن الطاعة.
ويؤيّده أنّ الخوف في بعض الآيات قد ورد بهذا المعنى، كقوله تعالى: ﴿إِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾[6] فبما أنّ الله تعالى في مقام بيان جواز نقض العهد ومن المعلوم أنّ مجرّد خوف نقض العهد لا يجوّز للطرف المقابل أن ينقض عهده، فينبغي أن نعتبر الآية بمعنى أنّه إذا خفتم عواقب نقض عهد قوم بعد حصوله، فلكم أن تنقضوا عهدهم في المقابل.
ولذلك قال الشيخ في التبيان: «قوله:﴿اللَّاتِی تَخافُونَ﴾قيل فيه قولان:
أحدهما: تعلمون، لأنّ خوف النشز للعلم بموقعه، فلذلك جاز أن توضع مكان «تعلم»...
الثاني: الخوف الذي هو خلاف الأمن، كأنّه قال: تخافون نشوزهنّ لعلمكم بالأحوال المؤذنة به.»[7]
وقد نسب المعنى الأوّل في الخلاف[8] إلى كثير من أهل التفسير، وقد تقدّم أنّ الاحتمال الأوّل من الاحتمالين أكثر قبولاً.
ونقل صاحب المسالك عن ابن جنيد: «للرجل ـ إن كان النشوز من المرأة ـ أن يعظها ويهجرها في مضجعها، وله أن يضربها غير مبرح.»[9]
وقال العلامة في الإرشاد: «إن نشزت وعظها، فإن أجابت وإلا هجرها في المضجع... فإن أفاد وإلا ضربها غير مبرح.»[10]
2 ـ قيل في لزوم مراعاة الترتيب بين الموارد الثلاثة مطالب مختلفة غير أنّ العلامة الطباطبائي يقول في تفسيره: «الأُمور الثلاثة... وإن ذكرت معاً وعطف بعضها على بعض بالواو، فهي أُمور مترتّبة تدريجيّة، فالموعظة، فإن لم تنجح فالهجرة، فإن لم تنفع فالضرب، ويدل على كون المراد بها التدرّج فيها أنّها بحسب الطبع وسائل للزجر مختلفة آخذة من الضعف إلى الشدّة بحسب الترتيب المأخوذ في الكلام، فالترتيب مفهوم من السياق دون الواو.»[11]
والحقّ ما ذهب إليه.
إلا أنّه قد يتصوّر أنّ مراعاة الترتيب في الموارد المذكورة إنّما هو من باب أنّ هذه الأُمور من باب النهي عن المنكر، ومعلوم أنّه يجب مراعاة الترتيب بين المراتب في النهي عن المنكر.
ولكن يشكل هذه الدعوى بأنّه لا وجه لاعتبار هذه الأُمور من باب النهي عن المنكر، إذ في هذه الحالة فإنّها لا تختصّ بالزوج، وعليه فإنّ خطاب الآية ـ ولو في بعض الموارد ـ يكون للجميع، مضافاً إلی أنّها تصير واجبة حيث يکون النهي عنه المنکر واجباً، بينما يکون الظاهر من الآية الشريفة أنّ هذه الأُمور من الأمور التي يجوز أداؤها للزوج لا أن تجب على المؤمنين.