46/04/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / النشوز / أفضليّة الرّجل وقيّوميته بالطّبع والتّکوين
قلنا: إنّ الآية ظاهرة في كونها بصدد الإخبار عن أمر طبعيّ تكوينيّ لا تشريع حكم شرعيّ.
بيانه أوّلاً: إنّ الذي ورد في قوله تعالى: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ﴾ لا يعني أنّ الله فضّل الرجال على النساء، وإلا لكان من الأفضل أن يقول: «بما فضّلهم الله عليهنّ»، وإنّما المراد به أنّ الله تعالى فضّل بعض النساء والرجال على بعض آخرين منهم، وعليه فيمكن للفئتين أن تفضّلا على الفئة الأُخرى من بعض الجهات؛ فمثلاً عندما يقال لأعضاء فريق واحد: «إنّ لبعضكم فضائل بالنسبة إلى بعضكم الآخر» فالمتفاهم منه ليس أنّ لجماعة محدّدة من الفريق امتياز على جماعة أُخرى منهم، وإنّما الانطباع العرفي من الجملة هي أنّ لكلّ واحد منهم تميّز على الآخرين من جهة، وإن كان لغيره أيضاً أن يمتاز عن هذا الفرد من جهات أُخرى.
ويؤيّده أنّ الجهات التي يمتاز بها الرجال على النساء، ليست بالضرورة جهات تفتقد النساء خصائص بإزائها، بل ربّما كانت جهات تمتاز النساء في مقابها على الرجال. وبعبارة أُخرى: فإنّ نقاط الضعف في النساء بإزاء الرجال ليست بالضرورة أُموراً سلبيّة، بل الكثير منها ناشئ عن تفوّق النساء على الرجال في أُمور إيجابيّة تضادّ جهات تفوّق الرجال على النساء، کما إذا قلنا بأنّ قوّة العاقلة عند الرجال أقوى من النساء وتأثيرها من العواطف والأحاسيس أقلّ من النساء، فهو يعني أنّ النساء متفوّقات على الرجال من حيث العواطف والأحاسيس.
والمؤيّد الآخر لهذه الدعوى هو المذكور في الآيات السابقة على هذه الآية حيث قال تعالى: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾[1] لوضوح أنّ تفضيل بعض الناس على بعض ليس من جميع الجهات، بل ربّما كان لفئة تفوّق على فئة أُخرى من جهة ونقصان من جهة أُخرى.
كما من الواضح في قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾[2] أنّه تعالى بيّن فضل الأنبياء على بعضهم بنحو حيثيّ، بمعنى أنّه قد يكون أحد الأنبياء متميّزاً عن الآخرين من حيث كونه كليماً لله تعالى، بينما هناك نبيّ آخر يمتاز عنه من حيث كونه مؤيّداً بروح القدس.
فإن قيل: لو كان كذلك فلا ينبغي أن يُذكر وجه قوّاميّة الرجال على النساء، إذ كما يفوق الرجالُ النساءَ من بعض الجهات فكذلك النساء يفقن الرجال من جهات أُخرى.
فالجواب: أنّ وجه التعليل بقوّاميّة الرجال على النساء هو أنّ الجهات التي يفوق الرجالُ النساءَ فيها، هي جهات مؤثّرة على قوّاميّة الرجل على المرأة، بينما ليس لجهات تفوّق النساء على الرجال هذا الأثر.
ثانياً: إذا كان المراد من النفقة في عبارة ﴿وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ﴾ النفقة التي يجب دفعها على الرجل شرعاً، كان من المفروض أن لا يذكر وجوب هذا الأمر دليلاً على قوّاميّة الرجل، لأنّ الذي يسبّب وجوب إنفاق الرجل هو قوّاميّته على المرأة، لا أن تكون قوّاميّته ناشئة عن وجوب الإنفاق.
على أنّ الآية في هذه الصورة تختصّ بعلاقات الزوجين ممّا يعارض دعوى بعض المفسّرين من عموم الآية، حيث يمكن الادّعاء في غير هذه الصورة أنّ المرأة كُلّفت في بعض الموارد بدفع نفقة الرجل شرعاً، مثل ما إذا كانت المرأة متمكّنة ماليّاً وكان أبوها أو ابنها فقيراً، حيث لا يمكن الادّعاء أنّ نفقة المرأة على عهدة الرجل مطلقاً.
وعليه فالمراد من العبارة: هو أنّ تأثير الرجال في الأُمور الاقتصاديّة أكثر من النساء بطبيعة الحال والرجال غالباً هم الذين من يديرون الشؤون الاقتصاديّة في المجتمع. ولذلك يقال بأنّه في الدول التي لا تتّبع الأحكام الشرعية الإسلامية ويدّعى فيها التساوي بين الرجل والمرأة في جميع الشؤون أيضاً، فإنّ تأثير الرجال في الشؤون الاقتصاديّة فيها أكثر من النساء بأضعاف واقتصادها يدار من قبل الرجال عمليّاً.
ثمّ إنّ ذكر عبارة: ﴿بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ﴾ بعد ذکر: ﴿بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ﴾ ذكر للخاصّ بعد العامّ ومن باب ذكر أكمل مصاديقه.
وبذلك يمكن الاستنتاج بأنّ الآية الشريفة تريد إفادة أنّ الرجال بسبب تفوّقهم على النساء من بعض الجهات التي تؤثّر على قوّاميّتهم والتي يعدّ الجانب الاقتصاديّ من مصاديقها بل مصداقها الأكمل، فهم قوّامون على النساء بالطبع وإن كان لكلّ عامّ استثناءات، غير أنّ المجتمع الذي يسير على خلاف جهة هذا الأمر الطبعيّ بخروج النساء من قيموميّة الرجال، فإنّ هذه الحركة محكومة بالفشل لكونها مخالفة لطبيعة الإنسان وإن لم نستنبط من الآية الشريفة حرمتها شرعاً.