بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/04/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / النشوز / تفسير ابن عاشور من آية «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ»

 

ذكرنا في الجلسة السابقة بعض كلمات المفسّرين.

وقال ابن عاشور: «قوله: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ أصل تشريعي كلّي تتفرّع عنه الأحكام التي في الآيات بعده، فهو كالمقدّمة…

والحكم الذي في هذه الآية حكم عامّ جي‌ء به لتعليل شرع خاصّ.

فلذلك فالتعريف في‌ الرجال‌ والنساء للاستغراق، وهو استغراق عرفيّ مبنيّ على النظر إلى الحقيقة، كالتعريف في قول الناس: «الرجل خير من المرأة» يؤول إلى الاستغراق العرفي، لأنّ الأحكام المستقراة للحقائق أحكام أغلبيّة، فإذا بني عليها استغراق فهو استغراق عرفي. والكلام خبر مستعمل في الأمر كشأن الكثير من الأخبار الشرعيّة...

فالمراد من الرجال من كان من أفراد حقيقة الرجل، أي الصنف المعروف من النوع الإنساني، وهو صنف الذكور، وكذلك المراد من النساء صنف الإناث من النوع الإنساني، وليس المراد «الرجال» جمع الرجل بمعنى رجل المرأة، أي زوجها؛ لعدم استعماله في هذا المعنى، بخلاف قولهم: «امرأة فلان»، ولا المراد من النساء الجمع الذي يطلق على الأزواج الإناث وإن كان ذلك قد استعمل في بعض المواضع...

وقيام الرجال على النساء هو قيام الحفظ والدفاع، وقيام الاكتساب والإنتاج المالي، ولذلك قال: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ﴾ أي: بتفضيل الله بعضهم على بعض و بإنفاقهم من أموالهم إن كانت «ما» في الجملتين مصدريّة، أو بالذي فضّل اللّه به بعضهم وبالذي أنفقوه من أموالهم، إن كانت «ما» فيهما موصولة، فالعائدان من الصلتين محذوفان، أمّا المجرور فلأنّ اسم الموصول مجرور بحرف مثل الذي جرّ به الضمير المحذوف، وأمّا العائد المنصوب من صلة «وَبِمَا أَنْفَقُوا» فلأنّ العائد المنصوب يكثر حذفه من الصلة.

والمراد بالبعض في قوله تعالى: ﴿فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ﴾هو فريق الرجال كما هو ظاهر من العطف في قوله: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ﴾ فإنّ الضميرين‌ للرجال.

فالتفضيل هو المزايا الجبليّة التي تقتضي حاجة المرأة إلى الرجل في الذبّ عنها وحراستها لبقاء ذاتها... فهذا التفضيل ظهرت آثاره على مرّ العصور والأجيال، فصار حقّاً مكتسباً للرجال، وهذه حجّة برهانية على كون الرجال قوّامين على النساء، فإنّ حاجة النساء إلى الرجال من هذه الناحية مستمرّة وإن كانت تقوى وتضعف.

وقوله: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا﴾ جي‌ء بصيغة الماضي للإيماء إلى أنّ ذلك أمر قد تقرّر في المجتمعات الإنسانيّة منذ القدم، فالرجال هم العائلون لنساء العائلة من أزواج وبنات.

وأُضيفت الأموال إلى ضمير الرجال لأنّ الاكتساب من شأن الرجال، فقد كان في عصور البداوة بالصيد وبالغارة وبالغنائم والحرث، وذلك من عمل الرجال، وزاد اكتساب الرجال في عصور الحضارة بالغرس والتجارة والإجارة والأبنية ونحو ذلك، وهذه حجّة خطابية، لأنّها ترجع إلى مصطلح غالب البشر لا سيما العرب. و يندر أن تتولّى النساء مساعي من الاكتساب، لكن ذلك نادر بالنسبة إلى عمل الرجل مثل استئجار الظئر نفسها وتنمية المرأة مالاً ورثته من قرابتها.

ومن بديع الإعجاز صوغ قوله: ﴿بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ﴾فی قالب صالح للمصدريّة وللموصولية، فالمصدريّة مشعرة بأنّ القيامة سببها تفضيل من الله وإنفاق، والموصولية مشعرة بأنّ سببها ما يعلمه الناس من فضل الرجال ومن إنفاقهم ليصلح الخطاب للفريقين، عالمهم وجاهلهم...»[1]

المستفاد من جملة كلماته أنّ المفسّرين ادّعوا أنّ الشطر الأوّل من الآية الشريفة يريد إفادة معنىً تشريعيّ واعتبر أنّ علّة جعل هذا الحكم هو تفضيله عزّ وجلّ الرجال على النساء في التكوين كما أنّه جعل على عاتقهم كفالة النساء الماليّة، ولكنّ المفسّرين اختلفوا في أنّ قوّاميّة الرجل على المرأة هل يخصّ دائرة الأُسرة أو أنّه عامّ يشمل جميع الشؤون الاجتماعيّة أيضاً.

ولكنّ الحقّ أنّ التفسير المذكور للآية الشريفة غير مقبول، والظاهر منها أنّ الآية تريد الإخبار عن أمر طبعيّ تكوينيّ لا تشريع حكم شرعيّ ممّا سنذكر تفصيله في الجلسة القادمة إن شاء الله.


[1] التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج4، ص112.