بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/04/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / النشوز / النشوز في اللغة والقرآن الکريم

 

قال المحقّق الحلّي: «القول في النشوز

وهو الخروج عن الطاعة. وأصله: الارتفاع. وقد يكون من الزوج كما يكون من الزوجة. ف‌متى ظهر من الزوجة أمارته ـ مثل أن تقطب في وجهه أو تتبرّم بحوائجه أو تغيّر عادتها في آدابها ـ جاز له هجرها في المضجع بعد عظتها.

وصورة الهجران: يحول إليها ظهره في الفراش. وقيل: أن يعتزل فراشها؛ والأوّل مرويّ. ولا يجوز له ضربها والحال هذه.

أما لو وقع النشوز ـ وهو الامتناع عن طاعته فيما يجب له ـ جاز ضربها ولو بأوّل مرّة. ويقتصر على ما يؤمل معه رجوعها ما لم يكن مدمياً ولا مبرّحاً.»[1]

أ) النشوز لغةً

قال الخليل في كتاب العين: «نشز الشيء، أي: ارتفع، وتلّ ناشز، وجمعها: نواشز... نشَز ينشُز نشوزاً وينشِز لغة. ونشز ينشُز، إذا زحف عن مجلسه فارتفع فويق ذلك. منه قول الله: «فانشزوا»... ونشزت المرأة تنشز فهي ناشز، أي: استعصت على زوجها، إذا ضربها وجفاها فهي ناشز عليه.»[2]

وقال ابن منظور في لسان العرب: «قال أبو إسحاق: النشوز يكون بين الزوجين، وهو كراهة كلّ واحد منهما صاحبه، واشتقاقه من النشَز، وهو ما ارتفع من الأرض. ونشزت المرأة بزوجها وعلى زوجها تنشِز وتنشُز نشوزاً، وهي ناشز: ارتفعت عليه واستعصت عليه وأبغضته وخرجت عن طاعته وفركته... نشوز المرأة استعصاؤها على زوجها، ونشز هو عليها نشوزاً كذلك، وضربها وجفاها وأضرّ بها... والنشوز كراهية كلّ منهما صاحبه وسوء عشرته له.»[3]

فعُلم أنّ نشوز المرأة يعني عدم وئامها وعدم طاعتها للزوج فيما إذا وجبت عليها طاعته، كما أنّ نشوز الرجل لغةً يعني عدم مراعاته حقوق الزوجة الواجبة بحيث يخالف معاشرتها بالمعروف.

 

ب) النشوز في القرآن

ورد في الذكر الحكيم في نشوز الزوج والزوجة آيتان الأولى تخصّ نشوز الزوجة والثانية نشوز الزوج:

1 ـ ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِی تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِی الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً[4]

2 ـ ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً [5]

وقد ذكر المفسّرون مطالب كثيرة في تفسير الآية الأولى:

قال الفخر الرازي في تفسير الشطر الأول من الآية الشريفة: «القوّام: اسم لمن يكون مبالغاً في القيام بالأمر؛ يقال: «هذا قيّم المرأة وقوّامها» للذي يقوم بأمرها ويهتمّ بحفظها...

واعلم أنّ فضل الرجل على النساء حاصل من وجوه كثيرة، بعضها صفات حقيقية وبعضها أحكام شرعيّة. أمّا الصفات الحقيقية فاعلم أنّ الفضائل الحقيقيّة يرجع حاصلها إلى أمرين: إلى العلم، وإلى القدرة، ولا شكّ أن عقول الرجال وعلومهم أكثر، ولا شكّ أنّ قدرتهم على الأعمال الشاقّة أكمل، فلهذين السببين حصلت الفضيلة للرجال على النساء في العقل والحزم والقوّة، والكتابة في الغالب والفروسيّة والرمي، وأنّ منهم الأنبياء والعلماء... فكلّ ذلك يدلّ على فضل الرجال على النساء.

والسبب الثاني لحصول هذه الفضيلة قوله تعالى: ﴿وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ،‌ يعني: الرجل أفضل من المرأة لأنّه يعطيها المهر وينفق عليها.»[6]

وقال العلامة الطباطبائيّ: «القيّم‌ هو الذي يقوم بأمر غيره، والقوّام والقيام مبالغة منه.

والمراد بـ ﴿مَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ هو ما يفضل ويزيد فيه الرجال بحسب الطبع على النساء، وهو زيادة قوّة التعقّل فيهم وما يتفرّع عليه من شدّة البأس والقوّة والطاقة على الشدائد من الأعمال ونحوها... والمراد بـ ﴿مَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ما أنفقوه في مهورهنّ ونفقاتهنّ.

وعموم هذه العلّة يعطي أنّ الحكم المبنيّ عليها أعني قوله: ﴿الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ غير مقصور على الأزواج بأن يختصّ القوّاميّة بالرجل على زوجته، بل الحكم مجعول لقبيل الرجال على قبيل النساء في الجهات العامّة التي ترتبط بها حياة القبيلين جميعاً، فالجهات العامّة الاجتماعيّة التي ترتبط بفضل الرجال ـ كجهتي الحكومة والقضاء مثلاً اللتين يتوقّف عليهما حياة المجتمع ـ إنّما يقومان بالتعقّل الذي هو في الرجال بالطبع أزيد منه في النساء، وكذا الدفاع الحربي الذي يرتبط بالشدّة وقوّة التعقّل، كلّ ذلك ممّا يقوم به الرجال على النساء.

وعلى هذا فقوله: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ذو إطلاق تام[7]


[1] شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام (ط اسماعیلیان)، المحقق الحلي، ج2، ص282.
[2] كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، ج6، ص232.
[3] لسان العرب، ابن منظور، ج5، ص418.
[4] سوره نساء، آيه 34.
[5] سوره نساء، آيه 128.
[6] التفسير الكبير (مفاتيح الغيب)، الرازي، فخر الدين، ج10، ص70.
[7] الميزان في تفسير القرآن، العلامة الطباطبائي، ج4، ص343.