بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/04/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / القسم / في بطلان طلاق الزوجة قبل أن يبيت الليلة

 

قلنا: إنّ الزوج إذا طلّق زوجته قبل أن يبيت الليلة عندها، فليس ذلك مصداقاً لتضييع حقّ الزوجة فلا يحرم.

وأمّا لو قلنا بأنّ طلاقها في هذا الفرض حرام، فهل يلزم من الحرمة بطلان الطلاق؟

بناءً على ما التزمنا به في مباحثنا الأُصوليّة من أنّ النهي عن المسبّب يلازم فساد المعاملة عرفاً، فينبغي القول في هذا المقام أيضاً ببطلان الطلاق، ولا يمكن الالتزام بما ذكره الشهيد الثاني من عدم فساد المعاملة بتعلّق النهي بها. كما أنّ مقارنة هذا المقام بالنهي عن البيع وقت النداء غير صحيح أيضاً، لأنّ المنهيّ عنه في البيع وقت النداء هو ذات السبب بما هو هو ولم يتعلّق النهي بالبيع من حيث الأثر المترتّب عليه، ولذلك يمكن الالتزام بصحّة البيع هناك، بينما الفرض هاهنا أنّ المسبّب ـ أي الفراق ـ مبغوض ممّا يلازم فساد الطلاق عرفاً.

اللهمّ إلا أن يقال: إنّ المحرّم هو تفويت حقّ الزوجة وليس الطلاق، والطلاق ملازم لتفويت حقّها، وبما أنّ النهي عن اللازم لا يسري إلى الملزوم والقول بحرمة الطلاق كان من باب المسامحة، فلا وجه لفساد الطلاق.

فإن قيل: تقدّم في مباحث الأُصول أنّ النهي عن لوازم المسبّب يقتضي فساد المعاملة.

فالجواب: قلنا هناك بأنّ هذا إنّما يتمّ فيما إذا عُلم بأنّ النهي عن اللوازم لا وجه له إلا عدم تحقّق المسبّب ـ كالنهي عن التصرّف في ثمن الخمر ـ وهذا غير متحقّق فيما نحن فيه، إذ الملازمة بين الطلاق وتضييع حقّ الغير ملازمة اتّفاقيّة.

وبعبارة أُخرى: إذا كان المنهيّ عنه ممّا يوجد بينه وبين مسبّبه ملازمة دائمة ـ كالتصرّف في الثمن وتملّكه ـ فيمكن في هذه الصورة أن يعتبر النهي عن لازم المسبّب ناشئاً عن عدم تحقّق المسبّب وفساد المعاملة، وأمّا فيما إذا كانت الملازمة بين المنهيّ عنه وبين المسبّب اتّفاقيّة ـ كما فيما نحن فيه حيث تکون الملازمة بين تضييع حقّ الغير وبين حصول الفراق من هذا القبيل ـ فلا يمكن أن يدّعی بأنّه لا وجه للنهي عن لازم المسبّب إلا عدم تحقّق المسبّب.

ثمّ إنّه قال الشهيد الثاني بعد ذلك: «لا فرق في ذلك بين كون المطلّقة بعد حضور نوبتها رابعة وغيرها، لاشتراك الجميع في المقتضي، وذكر المصنّف الرابعة تبعاً للشيخ مجرّد تمثيل.

وربما قيل: إن السرّ في ذكر الرابعة أنّ نوبة غيرها لا تتحقّق إلا بالقرعة بخلاف الرابعة.

وفيه: أنّه مع تسليم التوقّف على القرعة لا يتمّ‌ إلا في الدور الأوّل، أمّا بعده فتتعيّن نوبة كلّ‌ واحدة بغير قرعة، ويتحقّق الفرض في غير الرابعة. وعلى المختار من تخييره بغير قرعة تتحقّق نوبة غير الرابعة بتعيينه لها ثمّ‌ طلاقها بعد دخولها.»[1]

أقول: بحسب ما ارتأيناه في حقّ القسم من اعتباره حقّاً ابتدائيّاً، فإنّ دعوى صاحب المسالك من عدم الفرق بين الزوجات، دعوىً تامّة، ولكن بناءً على مبناه من عدم ابتدائيّة حقّ القسم، يمكن الإشكال عليه بأنّه لا وجه لتعيّن حقّ القسم في الدورات بعد الأُولى، بل لكلّ دورة حكم خاصّ بها، على أنّ عدم لزوم القرعة واختيار الزوج في تعيين النوبة لا يحلّ المشكلة أيضاً، إذ في هذه الصورة أيضاً بما أنّ تعيين النوبة للزوجات الثلاثة الأُولى في اختيار الزوج، فللزوج أن يطلّقهنّ من دون أن يعيّن أنّ الليالي الثلاثة الأُولى متعلّقة لحقّ أيّة واحدة منهنّ، والحال أنّ نوبة الزوجة الرابعة متعيّنة ولا اختيار للزوج فيها، فتختلف الزوجة الرابعة عن سائر الزوجات في هذه الصورة أيضاً.

ثمّ إنّ ظاهر كلمات الأصحاب أنّ هذه المسألة جارية في الطلاق الرجعيّ كما في البائن، غير أنّ بعضاً قالوا بجريان المسألة في البائن فقط، لأنّ المطلّقة الرجعيّة إمّا زوجة حقيقةً أو في حكم الزوجة، ولذلك يجب على الزوج في أيّام عدّة الطلاق الرجعيّ أن يراعي جميع حقوق الزوجة ومنها حقّ القسم.

ولا تخلو هذه الدعوى من وجه ولكن دراستها موكولة إلى كتاب الطلاق.

وإذا قلنا بأنّ طلاق الزوج سبّب تضييع حقّ الزوجة وعلى الزوج أن يتدارك ذلك، فينبغي القول في هذه الصورة بوجوب الرجوع في عدّة الطلاق الرجعيّ أو وجوب النكاح من تلك المرأة من جديد، لأنّ أداء حقّ الزوجة متوقّف على إيجاد الزوجيّة وعليه فيجب على الرجل ولو بوجوب مقدّمي أن يهيّأ مقدّمات أداء حقّ الزوجة، وعليه فلا وجه لأن يقال: إنّ لزوم أداء حقّ الزوجة متوقّف على إيجاد العلقة الزوجيّة.

ولأجل ذلك قال الشهيد الثاني: «يتفرّع عليه وجوب التزويج لو توقّفت البراءة عليه. ولو أمكن محالّتها والتوصّل إلى إسقاط حقّها بوجه آخر تخيّر بينه وبين التزويج. وحينئذٍ فلا يمنع تزويج رابعة، لعدم انحصار البراءة في التزويج. ولو فرض توقّفها عليه لم يقدح في صحّة التزويج، لما قلناه من حكم النهي.»[2]

غير أنّه مقدّماً على ما ذكره في وجه صحّة نكاح الزوجة الرابعة، يمكن أن يقال: إنّ الموجب للحكم بصحّة النكاح الرابع هو أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ.


[1] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج8، ص350.
[2] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج8، ص351.