بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/04/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / القسم / جواز الخروج من عند صاحبة القسم إلى زوجة أُخرى

 

قال المحقّق الحلّي: «الخامسة: لا يزور الزوج الضرّة في ليلة ضرّتها. وإن كانت مريضة جاز له عيادتها. ف‌إن استوعب الليلة عندها هل يقضيها؟ قيل: نعم، لأنّه لم يحصل المبيت لصاحبتها؛ وقيل: لا، كما لو زار أجنبيّاً؛ وهو أشبه.

ولو دخل فواقعها ثمّ عاد إلى صاحبه الليلة، لم يقض المواقعة في حقّ الباقيات، لأنّ المواقعة ليست من لوازم القسمة.

السادسة: لو جار بالقسمة، قضى لمن أخلّ بليلتها.»[1]

 

قال الشيخ في المبسوط: «متى أراد الدخول إلى غير صاحبة القسم، فلا يخلو أن يكون نهاراً أو ليلاً...

وأمّا الدخول إليها ليلاً فلا يجوز، سواء عادها أو زارها أو أراد السلام عليها أو يعطيها النفقة، لأنّ جميع الليل حقّ لغيرها، فإن اضطرّ إلى ذلك وهو أن تكون مريضة فثقلت في تلك الليلة، فإنّه يجوز له أن يخرج إليها، لأنّه موضع ضرورة.»[2]

وقال الشهيد الثاني: «حيث كان محلّ‌ استحقاق القسمة هو الليل، فلا يجوز صرف شيء منه إلى غيرها إلا بما جرت به العادة ودلّت قرائن الأحوال على إذنها فيه، كالدخول على بعض أصدقائه من غير إطالة، دون الدخول على الضرّة ولو لحاجة غير ضروريّة، لما فيه من التخصيص المنافي للعدل، إلا أن تكون مريضة فيجوز عيادتها، لقضاء العادة به كما يجوز عيادة الأجنبي، ولعدم التهمة في زيارتها حينئذٍ لمكان المرض بخلاف الصحّة. وقيّده في المبسوط بكون المرض ثقيلاً وإلا لم يصحّ‌.»[3]

أقول: إنّ الذي يمكن قوله في هذه المسألة أنّه يجب على الزوج أن يقضي الليلة المتعلّق بها حقّ إحدى الزوجات عندها بنحو يعتبره العرف مصداقاً لقضاء الليلة عندها، ومادام ذلك صادقاً عرفاً فلا وجه لعدم جواز خروج الزوج من عندها في أيّ مقدار من الليلة والذهاب إلى شخص آخر، ولو كان ذلك الشخص زوجته الأُخرى. نعم، إذا عدّ العرف ذلك بمعنى تضييع حقّ الزوجة التي تعلّق حقّها بالليلة، فلا يحقّ للزوج ذلك.

فإذن لا وجه لتقييد جواز الخروج إلى زوجة أُخرى بمورد مرض تلك الزوجة أو تقييد المرض بتفاقمه، وتشخيص موارد عدم منافاة الخروج إلى زوجة أُخرى لحقّ الزوجة صاحبة حقّ القسم في الليلة وموارد المنافاة، ملقىً إلى العرف.

وأمّا منافاة الذهاب إلى زوجة أُخرى لزوم مراعاة العدالة بين الزوجات، فلا وجه له كما تقدّم، ولا يجب على الزوج أن يقسّم وقته بين زوجاته بالتساوي، كما أنّ مواقعة الزوجة الثانية في الليلة التي تعلّق بها حقّ الزوجة الأُولی لا يوجب استحقاق الأُولی للمواقعة.

وإذا اقتضت الضرورة أن يقضي الزوج الليلة التي تعلّق بها حقّ إحدى الزوجات عند غيرها أو في مكان آخر، فلا وجه لوجوب قضاء تلك الليلة لها، إذ تقدّم أنّه حتّى على فرض عدم جواز ذلك، فلا يترتّب عليه شيء إلا الحكم التكليفيّ ولا يستتبع حكماً وضعيّاً.

غير أنّ الشهيد الثاني قال: «إن استوعب الليلة في غير العيادة فلا شبهة في القضاء، وفيها قولان، من عدم وصول حقّ‌ صاحبة الليلة إليها وليس من ضرورات الزيارة الإقامة طول الليل، فهو ظلم، وكلّ‌ ظلم للزوجة في المبيت يقضى. واختار المصنّف العدم، كما لو زار أجنبيّاً، والأوّل أقوى، والفرق بين الأمرين واضح. والأصل ممنوع، فإنّ زيارة الأجنبيّ مشروطة بعدم استيعاب الليلة. وعلى القولين لا تحتسب على المزورة، لأنّها ليست حقّها.»[4]

ولكن صاحب الجواهر قال في توجيه كلام المحقّق: «محلّ البحث على الظاهر ما إذا اقتضى الحال استيعاب الليلة عندها لتمريضها، والمراد بالتشبيه بزيارة الأجنبي أنّه يكون معتاداً كأصل الزيارة لا أنّ المراد الزيارة المستوعبة، وحينئذٍ لا يكون فيه ظلم للزوجة، فيبني على أصالة التدارك مع عدم الظلم، ويمكن أن يكون بناء المصنّف عدم التدارك فيما لا يكون ظلماً، وهو لا يخلو من وجه وإن كان الأقوى خلافه.»[5]

ولكن قلنا أنّه لا دليل على لزوم التدارك حتّى في صورة الظلم، وإن كان الشهيد الثاني قد ادّعى عدم الخلاف في لزوم التدارك في هذه الصورة ممّا سندرسه في الجلسة القادمة إن شاء الله.


[1] شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام (ط اسماعیلیان)، المحقق الحلي، ج2، ص281.
[2] المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج4، ص327.
[3] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج8، ص343.
[4] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج8، ص344.
[5] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج31، ص192.