بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / القسم / تنازل الزوجة عن حقّ قسمها في مقابل المال - موارد اسقاط حقّ القسم

 

طرحنا في الجلسة السابقة دعوى السيّد البروجردي من عدم الملازمة بين العلم بفساد المعاملة والإقدام على التمليك المجّاني للعوض أو المعوّض، ولكن من غير الصحيح ما ذكره في الاستثناء من ذلك من أنّه إذا أقدم الشخص على تأجير ملكه علماً منه بأنّ مال الإجارة ملك لغيره، فيمكن اعتبار فعله مصداقاً للتمليك المجّاني للمعوّض، إذ مجرّد العلم بأنّ مال الإجارة ملك للغير لا يستلزم ذلك عرفاً.

ولذلك قال السيّد الخميني في حاشيته على العروة: «الأقوى هو الضمان في غير الإجارة بلا عوض أو بما لا يتموّل عرفاً، من غير الفرق فيهما بين العلم بالبطلان وعدمه. ومن هنا يظهر حال الأُجرة في يد المؤجر، فإنّ‌ عليه الضمان، علم المستأجر ببطلانها شرعاً أو لا. وكذا يظهر ممّا ذكرنا حال الإجارة على الأعمال، فإنّ‌ العامل يستحقّ‌ أُجرة مثل عمله إلا فيما تقدّم.»[1]

والوجه الذي دعاه إلى استبدال مورد الاستثناء الذي طرحه السيّد البروجردي بالمورد الذي ليس لمال الإجارة فيه ماليّة عرفيّة ـ مثل قشّة أو حبّة قمح ـ هو ما ذكرناه سابقاً.

وقال السيّد الخوئيّ توضيحاً لوجه وجود الضمان بالرغم من علم المتعاملين بفساد المعاملة: «إنّ‌ العلم بالفساد الشرعي شيء والإقدام على المجّانيّة وهتك الحرمة شيء آخر لا علاقة بينهما بوجه، فإنّ‌ المعاملات إنشاءات عرفيّة مطّردة بين جميع أهل الملل ممّن يعتنق الدين ومن لا يعتنق، وهي عند الكلّ‌ بمعنىً واحد، سواء أكان المتعاملان مسلمين أم كافرين أم مختلفين، فهي اعتبارات عقلائيّة أجنبيّة عن عالم الشرع بالكلّيّة، فيبرز المؤجر مثلاً اعتباره بما أنّه من العقلاء، وهذا الاعتبار قد يقترن بالإمضاء الشرعي وأُخرى لا، وذاك مطلب آخر لا مساس له بالعمليّة الصادرة من المتعاملين بما هما متعاملان.

وعليه فعلم المؤجر أحياناً بعدم كون اعتباره مورداً للإمضاء الشرعي لا ينافي تحفّظه على احترام ماله وعدم كون تسليط المستأجر عليه عارياً عن العوض وكونه مضموناً عليه، فإنّ‌ الذي يخرجه عن الضمان إنّما هو الإقدام على الإتلاف مجّاناً باعتبار اندراجه عندئذٍ تحت الكبرى الثانية ـ أعني: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ـ فيصحّ‌ حينئذٍ أن يقال: إنّ‌ المالك هو الذي ألغى احترام ماله وهتك حرمته. وأمّا إذا أعطاه بعنوان الضمان ولم يقدم إلا على أن يكون تلفه من القابض كما هو المفروض في المقام، فأيّ‌ هتك أو إلغاء بعد هذا؟ والعلم بالفساد الشرعي لا يستوجبه بوجه.

كيف؟ ولو صحّ‌ ذلك لاقتضى عدم الضمان في شيء من المعاملات الفاسدة، فيسوغ لبائع الخمر أو الكلب التصرّف في الثمن مع علم المشتري بالفساد، وهكذا الحال في أجر الزانية، مع صراحة الروايات في أنّ‌ ثمن الخمر وكذا الكلب سحت، وهكذا ما ورد من أنّ‌ أجر الزانية أو أجر القضاة سحت، إذ كيف يكون سحتاً مع أنّ‌ المالك هو الذي أقدم على الإتلاف وألغى احترام المال كما ادّعي؟ وارتكاب التخصيص في هاتيك النصوص بالحمل على غير صورة العلم كما ترى.»[2]

أقول: إنّ الاستدلالات المذكورة تامّة، وعليه فلا وجه في فرض فساد المعاملة لعدم الضمان ولو مع علم المتعاملين بفسادها.

ولكن لا يبعد أن يقال: إذا كان العالم بفساد المعاملة ملتزماً فعلاً بالأحكام الشرعيّة، فهذا لا وجه له إلا إذا قصد المجّانيّة في إعطاء العوض أو المعوّض في المعاملة. فإذن ينبغي التفصيل بين أن يكون العالم بفساد المعاملة ملتزماً فعلاً بحكم الشرع وعدمه، وعلى الأوّل يمكن القول بعدم الضمان، وعلى الثاني بالضمان، وإن خالف الظاهر أن يكون العالم بفساد المعاملة ملتزماً فعلاً بالحكم الشرعيّ فيحتاج إلى إثبات.

قال المحقّق الحلّي: «الرابعة: لا قسمة للصغيرة ولا المجنونة المطبقة ولا الناشزة ولا المسافرة بغير إذنه، بمعنى أنّه لا يقضي لهنّ عمّا سلف.»[3]

 

تقدّم سابقاً أنّ الدليل المذكور للدعوى الآنفة في المورد الأول والثالث والرابع هو أنّ حقّ القسم إنّما يثبت فيما وجبت النفقة، وبانتفاء النفقة يسقط حقّ القسم أيضاً.

قال الشهيد الثاني في هذا الشأن: «لمّا كانت القسمة من جملة حقوق الزوجيّة وهي بمنزلة النفقة على الزوجة، فمن لا تستحقّ‌ النفقة لصغر أو نشوز، فلا قسمة لها.»[4]

ولكن تقدّم إشكال ذلك وقيل أنّه لا دليل على تبعيّة حقّ القسم لوجوب النفقة، إلا إذا اعتبرنا حقوق الزوجين متقابلة، وقلنا بأنّ الزوجة إذا لم تراع حقوق الزوج فللزوج أيضاً أن لا يراعي حقوقها. ولكن لو صحّت هذه الدعوى، فهي لا تصدق بالنسبة إلى الصغيرة، لأنّ عدم استحقاق الصغيرة للنفقة ليس من باب النشوز حتّى يقال: للزوج أن لا يراعي حقّ قسم الصغيرة بإزائه.

ولذلك بعد أن ادّعى صاحب الجواهر عدم الخلاف في عدم استحقاق الصغيرة والناشزة لحقّ القسم، أشكل في إطلاق كلام المحقّق بالنسبة إلى الصغيرة، ممّا سنذكر تفصيله في الجلسة القادمة إن شاء الله.


[1] العروة الوثقی فیما تعم به البلوی (المحشّی)، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج5، ص56.
[2] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج30، ص208.
[3] شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام (ط اسماعیلیان)، المحقق الحلي، ج2، ص281.
[4] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج8، ص342.