46/04/03
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / القسم / الرجوع الی حقّ القسم بعد اسقاطه - تنازل الزوجة عن حقّ قسمها في مقابل المال
تقدّم في الجلسة السابقة أنّه لا وجه لجواز رجوع الزوجة بعد إسقاطها لحقّ القسم، وقلنا: إنّ دعوى الشهيد الثاني من أنّ الهبة في المقام تعبير مسامحيّ والمراد منه في الواقع إسقاط الحقّ، لا تتناسب مع ما ذكره فيما بعد من جواز رجوع الزوجة بالنسبة إلى ما لم يحن وقته بعد.
فإن قيل: وجه دعواه ـ كما ورد في كلماته أيضاً ـ هو أنّه لم يثبت على عهدة الزوج حقّ بالنسبة إلى المستقبل حتّى يمكن إسقاطه، ولذلك يمكن للزوجة أن ترجع عن هبتها، بينما الحال بالنسبة إلى السابق أنّ الحق كان ثابتاً فقد سقط بإسقاط الزوجة ولا يمكن الرجوع فيه.
فالجواب: أنّا إذا اعتبرنا حقّ القسم حقّاً ابتدائيّاً فإنّه يثبت للزوجة بمجرّد النكاح وإن لم يحن ظرفه، فيسقط بالإسقاط. وإذا لم نعتبره حقّاً ابتدائيّاً، فإسقاطه باطل بحسب مبنى صاحب المسالک الذي لا يرى إسقاط ما لم يجب صحيحاً، وعليه فلا معنى للرجوع.
وأمّا بالنسبة إلى لزوم القضاء فقد مرّ مراراً أنّ عدم مراعاة الزوج لحقّ قسم الزوجة وإن کان عن عمد، لا يترتّب عليه إلا الحرمة التكليفيّة ولا يستتبع أثراً وضعيّاً ولا يجب عليه القضاء.
ثمّ إنّ صاحب الجواهر قام بتوجيه إطلاق كلام المحقّق ـ من جواز رجوع الزوجة إلى الهبة الذي يشمل جوازه ولو فيما إذا كان الموهوب لها من أرحام الواهب ـ بأنّ الهبة في المقام ليست هبة حقيقيّة، فلا يترتّب عليها حكم الهبة إلى ذي رحم، غير أنّه فيما بعدُ اعتبر وجه عدم جواز الرجوع في هبة الماضي أنّ مضيّ الزمان بمنزلة تلف الموهوب حيث لا يمكن الرجوع فيه.[1]
ويشكل هذه الدعوى بأنّ هبة حقّ القسم إذا لم تكن هبة حقيقيّة، فإنّ ترتّب أيّ حكم من أحكام الهبة عليها يحتاج إلى دليل، وكما لا دليل على عدم جواز الرجوع فيما إذا كان الموهوب لها ذي رحم، فكذلك لا دليل على عدم إمكان الرجوع إلى الهبة المذكورة بعد مضيّ الزمان.
ثمّ إنّه بعد ذكر دعوى الشهيد الثاني ـ من أنّ لزوم القضاء وجيه فيما إذا رجعت الزوجة عن هبتها وبات الزوج عند الموهوب لها من دون العلم بذلك ـ قال: «هو لا يخلو من قوّة، باعتبار انكشاف استيفاء حقّها مع عدم إذنها، وعدم التقصير لا مدخليّة له في تدارك الحقّ لذيه، وليس هو كالمال المأذون في أكله الذي تأتي فيه قاعدة الغرور، كما أنّه ليس من قسم الوكالة التي ثبت بالنصّ والفتوى عدم انفساخها قبل العلم بعد حرمة القياس عندنا، فيتّجه حينئذٍ التدارك لها، خصوصاً مع علم الزوجة دونه، فإنّها حينئذٍ هي ظالمة تقاصّ من ليلتها، لأنّ ﴿اَلْحُرُماتُ قِصاصٌ﴾[2] .»[3]
غير أنّه لا وجه لهذا القول، إذ لو اعتبرنا حقّ القسم شاغلاً لذمّة الزوج وأنّ عدم مراعاته يلزمه بالقضاء، فإذا وهبت الزوجة حقّها إلى غيرها أو إلى زوجها ثمّ رجعت عن هبتها من دون إعلام الزوج بذلك، فإنّ عدم مراعاة الحقّ لا يسبّب شغل ذمّة الزوج، لأنّه مستند إلى الزوجة نفسها، كما لو وهب شخص مالاً إلى الموهوب له ثمّ رجع عن هبته من دون إعلامه ثمّ أتلف الموهوب له ذلك المال حيث لا يضمنه الموهوب له. وعليه فإنّ مدخليّة عدم تقصير الزوج في استناد الإتلاف إلى الزوجة يسبّب عدم توجّه ضمان إليه.
بل وإن علمت الموهوب لها برجوع الواهبة فليس عليها أن تُعلم الزوج، لأنّ مبيت الزوج لديها في الليلة التي تعلّق بها حقّ غيرها لم يستند إليها حتّى تكون مرتكبة للحرام، كما لو بات الزوج لدى زوجته الثانية في الليلة المتعلّقة بالزوجة الأُولى اشتباهاً حيث لا يجب على الزوجة الثانية أن تذكّره بذلك.
قال المحقّق الحلّي: «الثالثة: لو التمست عوضاً عن ليلتها فبذله الزوج، هل يلزم؟ قيل: لا، لأنّه حقّ لا يتقوّم منفرداً، فلا يصحّ المعاوضة عليه.»[4]
البحث في المسألة أنّ الزوجة إذا تنازلت عن حقّ قسمها مقابل مال ورضي الزوج بذلك، فهل يجب دفع العوض على الزوج أم لا؟
قال الشيخ في المبسوط في هذا الشأن: «متى أرادت أن تأخذ العوض على ليلتها بأن تبيعها من زوجها أو من ضرّة من ضرائرها، لم يجز لها ذلك، لأنّ العوض في مقابلة عين أو منفعة وليس هذا عين ولا منفعة، بل هو مأوىً وسكن.»[5]
إنّ الذي ذكره هو ما سبق منّا من أنّ حقّ القسم ليس من الحقوق الماليّة ولا يمكن نقله، غير أنّه لا يعني عدم إمكان التنازل عنه مقابل مال ممّا سنذكر تفصيله في الجلسة القادمة إن شاء الله.