بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/04/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / القسم / الرجوع الی حقّ القسم بعد اسقاطه

 

ذكرنا في الجلسة السابقة مطالب عن الشهيد الثاني.

ومن الصحيح ما قاله في لزوم مراعاة عين اليوم الذي تهب الزوجة حقّها فيه، والوجه فيه ما ذكره من عدم جواز تضييع حقوق سائر النساء. غير أنّ الذي ذكره من إمكان رجوع الزوجة الواهبة عن هبتها ومنافاته لتقديم المبيت لدى الزوجة الموهوب إليها، فليس له وجه صحيح، إذ لا يجب على الزوج أن يهيّئ الظروف لرجوع الزوجة الواهبة عن هبتها ولا يمنع منه، ولذلك لو علم الموهوب له أنّ الواهب يريد الرجوع عن هبته، فله أن يتعمّد التصرّف في الموهوب بنحو يستلزم رفع إمكانيّة رجوع الواهب عن الهبة.

وكذلك ما ذكره من أنّ الزوجة الواهبة إذا وهبت حقّها لسائر الزوجات واعتبرنا حقّ القسم حقّاً ابتدائيّاً، فعلى الزوج أن يعتبر الدورة ثلاث ليال وليس أربعاً، فهذه الدعوى باطلة ويتوقّف الأمر على الاتّفاق مع سائر الزوجات، وإلا اختصّت الليلة التي تعلّق بها حقّ الجميع بإحداهنّ. فمثلاً في الدورة الأُولى بعد أن بات الزوج عند الزوجات الثلاثة الباقيات، فإذا بات في الليلة الرابعة المتعلّقة بالزوجة الواهبة عند الأُولى من دون كسب رضا البواقي، فهذا يسبّب تضييع حقّ الثانية والثالثة.

وكذا الفرق الذي اعتبره بين ابتدائيّة حقّ القسم وغير ابتدائيّته من أنّه على الثاني تكون الزوجة الواهبة في الدورات التالية بمنزلة المعدم، وعلى الأوّل فعلى الزوج أن يعتبر ثلاث ليال بدلاً من الأربع، فهذا أيضاً ممّا لا يمكن الالتزام به، إذ حتّى على فرض كون حقّ القسم غير ابتدائيّ فعلى الزوجة في كلّ دور أن تقوم بهبة مستقلّة، لأنّها قبل حلوله لا تملك شيئاً لتهبه، وإذا صحّحنا هبة ما يملكه الواهب في المستقبل ـ نظير «من باع شيئاً ثمّ ملكه» ـ فلا فرق في هذه الصورة بين ابتدائيّة حقّ القسم وعدمه.

 

قال المحقّق الحلّي: «الثانية: إذا وهبت فرضي الزوج صحّ، ولو رجعت كان لها ولكن لا يصحّ في الماضي ـ بمعنى أنّه لا يقضي ـ ويصحّ فيما يستقبل. ولو رجعت ولم يعلم، لم يقض ما مضى قبل علمه.»[1]

 

قال الشهيد الثاني في شرح مطلب الشرائع: «قد تقدّم الحكم بأنّ رضا الزوج معتبر، لأنّ حقّ‌ الاستمتاع له، وهذه الهبة في معنى إسقاط الحقّ‌ والمسامحة فيه. وإنّما يتصوّر لزومه فيما يمكن أن يكون في الذمّة، كالماضي الذي يجب قضاؤه، أمّا المستقبل فلا يلزمها الهبة، لأنّه متجدّد لا يمكن قبضه فلها الرجوع فيه حتّى لو رجعت في أثناء الليل وعلم به خرج من عند الموهوبة إليها. وأمّا ما مضى فلا يؤثّر الرجوع فيه، لأنّه كالهبة المقبوضة. وكذا ما فات قبل علم الزوج بالرجوع لا يؤثّر فيه الرجوع ولا يقتضي، لأنّه لم يظهر منه ميل ولا تقصير حيث لم يعلم. وفي المسألة وجه أنّه يقضی كما قيل بانعزال الوكيل قبل العلم بالعزل، والحقّ‌ الأوّل.»[2]

ولكن بناءً على ما سبق منّا فبما أنّ حقّ القسم يختصّ بالزوجة ولا يشترك الزوج فيه ولأنّ هبته في الواقع راجعة إلى الإبراء، فإذن لا تحتاج إلى رضا الزوج، وبما أنّه لا رجوع في الإبراء، فلا يحقّ للزوجة أن ترجع عن الهبة لا بالنسبة إلى الماضي ولا المستقبل، ولكن إذا كان إبراؤها مشروطاً ولم يراع الزوج الشرط، فللزوجة أن ترجع عن إبرائها، والعجيب أنّ الشهيد الثاني بالرغم من تصريحه بأنّ الهبة في المقام بمعنى إسقاط الحقّ فإنّه جوّز رجوع الزوجة عن المستقبل.

وسنطرح تكملة المطلب في الجلسة القادمة إن شاء الله.


[1] شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام (ط اسماعیلیان)، المحقق الحلي، ج2، ص281.
[2] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج8، ص341.