46/04/01
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / القسم / إنتقال حق القسم
قلنا في الجلسة السابقة أنّ حقّ القسم لا يشغل ذمّة الزوج ولذلك لا يمكن نقله.
ولكن جاء في خبر عليّ بن جعفر عن موسى بن جعفر(ع): «سألته عن رجل له امرأتان. قالت إحداهما: ليلتي ويومي لك يوماً أو شهراً أو ما كان، أيجوز ذلك؟ قال: إذا طابت نفسها واشترى ذلك منها فلا بأس.»[1] [2] ممّا له ظهور في أنّه يمكن شراء حقّ القسم، فيكون من الحقوق الماليّة ويوجب شغل ذمّة الزوج.
غير أنّه من المعلوم أنّ الشراء في هذه الرواية لا يراد به معناه المصطلح، وإلا لزم إمكان شراء الأجنبيّ لهذا الحقّ ولا وجه لاختصاص شرائه بالزوج، وهو ممّا لا يمكن الالتزام به.
لا يقال: إنّ عدم جواز شراء الأجنبيّ لحقّ القسم إنّما هو لعدم إمكان ثبوت حقّ القسم للأجنبيّ على الزوج.
إذ يجاب أوّلاً: بأنّ ثمرة شراء الأجنبيّ لحقّ القسم لا تنحصر في مبيت الزوج عنده حتّى يقال هذا الحقّ منحصر في الزوجة، وإنّما للأجنبيّ بعد تملّك هذا الحقّ أن يبيعه إلى زوجة أُخرى وينتفع من قبله.
وثانياً: يمكن افتراض أنّ مالك حقّ القسم بالشراء يمكنه المبيت عند الزوج ـ كالأمة أو الزوجة المتمتّع بها ـ حيث ينبغي في هذه الصورة ـ بناءً على جواز شراء حقّ القسم ـ أن نلتزم بأنّه إذا اشترى أحد مثلهما حقّ القسم من زوجة دائمة، كان لها حقّ القسم، وهو ممّا لا يلتزم به أحد.
إذن ينبغي اعتبار لفظ الشراء في هذه الرواية مفسّراً للعبارة السابقة ـ أي «طابت نفسها» ـ بمعنى أنّ الزوج أرضى زوجته على أن تتنازل عن حقّ قسمها له.
ولكنّ الذي ورد في مصادر العامّة من أنّ زوجة النبيّ الأكرم(ص) سودة بن زمعة كانت قد وهبت حقّ قسمها لعائشة[3] ، فعلى فرض صحّته لا يدلّ على جواز هبة الزوجة لحقّ قسمها إلى زوجة أُخرى، وإنّما المراد منها جواز إسقاط الزوجة حقّها بشرط أن يقضي الزوج تلك الليلة عند من تعيّنها هي، لجواز الشرط ضمن الإبراء عندنا.
ومن هنا قال صاحب الجواهر أيضاً: «الظاهر أنّ إطلاق الهبة على ذلك توسّع، باعتبار أنّه ليس من موردها الذي هو الأعيان. نعم، الظاهر اعتبار القبول من الموهوبة، فإن لم تقبل لم ينتقل الحقّ إليها.
ومن هنا يمكن أن يقال بجريان جميع أحكام الهبة على ذلك، فيكون الخارج بما هنا من النصّ والفتوى تعلّق الهبة بغير العين.
لكنّ الإنصاف أنّ ذلك ليس بأولى من القول بعدم جريان شيء من أحكام الهبة عليها وعدم اندراجها في إطلاق دليلها وإن شاركتها في بعض الأحكام، فلا يجري عليها حكم هبة الرحم ونحو ذلك من أحكام الهبة، وإطلاق لفظ الهبة في المرسل والعبارات كلّه من باب التوسع، وإلا فالمراد الإذن منها في إسقاط حقّها على وجه مخصوص، وهو وضعه عند واحدة منهنّ، وأمّا هبتها للزوج فليس معناه إلا الإسقاط.»[4]
غير أنّ الذي ذكره علّةً لعدم إطلاق الهبة على هبة حقّ القسم حقيقةً ـ من ضرورة أن يكون الموهوب من الأعيان ـ فهو مخالف لمبناه في كتاب الهبات حيث قال بجواز هبة ما في الذمّة من قبل مالكها إلى غير صاحب الذمّة.[5]
فإذن الوجه في المسألة ما تقدّم من أنّ حقّ قسم الزوجة لا يسبّب شغل ذمّة الزوج بها حتّى يمكنها أن تهب الغير ما ملكته.
وعليه فحقّ القسم لا يتحمّل إلا الإبراء من قبل الزوجة، وإذا علّقت الزوجة إبراءها على شرط معيّن وقبل به الزوج، فيجب عليه أن يعمل بالشرط، سواء كان الشرط مبيته تلك الليلة عند زوجة معيّنة أو شرطاً آخر.
ولكن إذا اعتبرنا هبة حقّ القسم وجيهاً فإنّ الشهيد الثاني قال في نتيجة هذا القول: «إن كانت نوبة الواهبة متّصلة بنوبة الموهوبة، بات عندها الليلتين على الولاء، وإن كانت منفصلة عنها، فالأصحّ وجوب مراعاة النوبة فيهما، لأن حقّ من بين الليلتين سابق فلا يجوز تأخيره، ولأنّ الواهبة على تقدير تأخّر ليلتها قد ترجع بين الليلتين والموالاة تفوّت حقّ الرجوع عليها.
وإن وهبت حقّها من الزوج فله وضعه حيث شاء، وعلى هذا فينظر في ليلة الواهبة وليلة التي يريد تخصيصها، أهما متواليتان أم لا؟ ويكون الحكم على ما سبق.
وإن وهبت حقّها من جميعهنّ وجبت القسمة بين الباقيات وصارت الواهبة كالمعدومة، ومثله ما لو أسقطت حقّها مطلقاً.
هذا إذا لم نوجب القسمة ابتداءً وإلا لم يتمّ تنزيلها كالمعدومة على تقدير الهبة لهنّ، لاشتراكهنّ حينئذٍ في تمام الدور وهو الأربع، ولو جعلناها معدومة فضل له ليلة.
والواجب على هذا القول أن يرجع الدور إلى ثلاث دائماً مادامت الواهبة مستحقّة للقسم. ويتفرّع على ذلك ما لو طلّقها أو نشزت، فإنّ حكم ليلتها يسقط وتصير كالمعدومة محضاً، فلو كانت الموهوبة معيّنة اقتصر على ليلتها، وعلى التقدير الآخر يفضل له ليلة.»[6]
ونوكل دراسة كلماته إلى الجلسة القادمة.