46/03/18
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / القسم / التسوية بين الزوجات - خروج الزوجة من الدار بدون الإذن
قال المحقّق الحلّي: «ويستحبّ التسوية بين الزوجات في الإنفاق وإطلاق الوجه والجماع، وأن يكون في صبيحة كلّ ليلة عند صاحبتها، وأن يأذن لها في حضور موت أبيها وأُمّها، وله منعها عن عيادة أبيها وأُمّها وعن الخروج من منزله إلا لحقّ واجب.»[1]
الدليل على عدم وجوب التسوية بين الزوجات في الجهات المذكورة في كلام المحقّق، قوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾[2] حيث تقدّم ضمن ذكر حسنة نوح بن شعيب ومحمّد بن الحسن أنّ الإمام الصادق(ع) قال: «أمّا قوله عزّ وجلّ: ﴿فَانْكـِحُوا مَا طَابَ لَكـُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾[3] يعني في النفقة، وأمّا قوله: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ يعني في المودّة.»[4] [5] ممّا يعلم بناءً عليه أنّ الواجب على الزوج بعنوان مراعاة العدل بين الزوجات هو أن لا يفرّق بينهنّ في بذل النفقة إليهنّ جميعاً، ويعطي جميع زوجاته النفقة التي يستحققنها، ولكن لا يجب التسوية بما يزيد على النفقة، وإن كان من الواضح أنّ المساواة بينهنّ مطلوب، لأنّه يمنع من الإخلال في المودّة بينهنّ وبين الزوج، ويجنّبه البغضاء والعداوة.
على أنّ بعض الأخبار تصرّح بجواز التفضيل في غير النفقة ومطلوبيّة مراعاة العدل من جميع الجهات.
منها: صحيحة عبدالملك بن عتبة الهاشمي، قال: «سألت أبا الحسن(ع) عن الرجل يكون له امرأتان يريد أن يُؤْثِر إحداهما بالكسوة والعطيّة، أيصلح ذلك؟ قال: لا بأس بذلك، واجتهد في العدل بينهما.»[6] [7]
و قد سبق أنّ الذي له أقلّ من أربعة أزواج، فله أن يفضّل بعضهنّ على الأُخريات في المبيت.
غير أنّ بعض الأخبار ظاهرة في عدم جواز تفضيل بعض الزوجات على الأُخر مطلقاً.
منها: صحيحة معمّر بن خلاد، قال: «سألت أبا الحسن(ع) هل يفضّل الرجل نساءه بعضهنّ على بعض؟ قال: لا، ولا بأس به في الإماء.»[8] [9]
ولكن بالنظر إلى أخبار الطائفة الأُولى، فإمّا أن نحمل هذه الأخبار على الكراهة أو نحملها على التفضيل في النفقة الواجبة.
أمّا استحباب أن يقضي صباح كلّ ليلة عند من بات ليلته عندها، فهو مدلول بعض الأخبار.
منها: خبر ابراهيم الکرخي: «سألت أبا عبدالله(ع) عن رجل له أربع نسوة فهو يبيت عند ثلاث منهنّ في لياليهنّ ويمسّهنّ، فإذا بات عند الرابعة في ليلتها لم يمسّها، فهل عليه في هذا إثم؟ قال: إنّما عليه أن يبيت عندها في ليلتها ويظلّ عندها صبيحتها، وليس عليه أن يجامعها إذا لم يرد ذلك.»[10] [11]
ومنها: ما رواه الشيخ في التبيان مرسلاً عن أمير المؤمنين(ع)، قال: «روي عن علي(ع) أنّه كان له امرأتان، فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضّأ في بيت الأُخرى.»[12] [13]
وقد سبق أنّ بعضاً ذهبوا بمقضى هذه الأخبار إلى وجوب قضاء شطر من النهار لدى من قضى الليلة السابقة عندها للقسم، ممّا تقدّم إشكاله أيضاً.
وأمّا بالنسبة إلى أنّ الزوج يحقّ له منع الزوجة من الخروج من الدار إلا لأمر واجب، فقد وردت فيه روايات.
منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(ع) قال: «جاءت امرأة إلى النبيّ(ص) فقالت: يا رسول الله! ما حقّ الزوج على المرأة؟ فقال لها: أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدّق من بيته إلا بإذنه ولا تصوم تطوّعاً إلا بإذنه ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، وإن خرجت من بيتها بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتّى ترجع إلى بيتها. فقالت: يا رسول الله! من أعظم الناس حقّاً على الرجل؟ قال: والده. فقالت: يا رسول الله! من أعظم الناس حقّاً على المرأة؟ قال: زوجها. قالت: فما لي عليه من الحقّ؟ مثل ما له عليّ؟ قال: لا، ولا من كلّ مائة واحدة. قال: فقالت: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً لا يملك رقبتي رجل أبداً.»[14] [15] ومثلها خبر عمرو بن جبير العزرمي عن أبي عبدالله(ع).[16] [17]
ومنها: حسنة الحلبي عن أبي عبدالله(ع)، قال: «لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلا بإذن زوجها حتّى تنقضي عدّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض.»[18] [19] ومثلها خبر أبي العبّاس.[20] [21]
ومنها: معتبرة السكوني عن أبي عبدالله(ع)، قال: «قال رسول الله(ص): أيّما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتّى ترجع.»[22] [23]
ومنها: خبر علي بن جعفر عن أخيه(ع)، قال: «سألته عن المرأة، ألها أن تخرج بغير إذن زوجها؟ قال: لا.»[24] [25]
ومنها: خبر عبد العظيم بن عبدالله الحسني عن محمّد بن علي الرضا عن آبائه عن عليّ(ع)، قال: «دخلت أنا وفاطمة على رسول الله(ص) فوجدته يبكي بكاءً شديداً. فقلت: فداك أبي وأُمّي يا رسول الله! ما الذي أبكاك؟ فقال: يا عليّ! ليلة أُسري بي إلى السماء رأيت نساءً من أُمّتي في عذاب شديد، فأنكرت شأنهنّ فبكيت لما رأيت من شدّة عذابهنّ ...ورأيت امرأة قد شُدّ رجلاها إلى يديها وقد سُلّط عليها الحيّات والعقارب ...فقالت فاطمة(ع): حبيبي وقرّة عيني! أخبرني ما كان عملهنّ وسيرتهنّ حتّى وضع الله عليهنّ هذا العذاب؟ فقال: يا بنيّتي ...أمّا المعلّقة برجليها فإنّها كانت تخرج من بيتها بغير إذن زوجها...»[26] [27]
ومنها: خبر الحسين بن زيد عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه، عن آبائه عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)، قال: «نهى رسول الله(ص)... ونهى أن تخرج المرأة من بيتها بغير إذن زوجها، فإن خرجت لعنها كلّ ملك في السماء وكلّ شيء تمرّ عليه من الجنّ والإنس حتّى ترجع إلى بيتها...»[28] [29]
ومنها: خبر عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(ع)، قال: «إنّ رجلاً من الأنصار على عهد رسول الله(ص) خرج في بعض حوائجه فعهد إلى امرأته عهداً ألا تخرج من بيتها حتّى يقدم. قال: وإنّ أباها مرض فبعثت المرأة إلى النبي(ص) فقالت: إنّ زوجي خرج وعهد إليّ أن لا أخرج من بيتي حتّى يُقدم، وإنّ أبي قد مرض، فتأمرني أن أعوده؟ فقال رسول الله(ص): لا، اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك. قال: فثقل فأرسلت إليه ثانياً بذلك فقالت: فتأمرني أن أعوده؟ فقال: اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك. قال: فمات أبوها فبعثت إليه: إنّ أبي قد مات، فتأمرني أن أُصلّي عليه؟ فقال: لا، اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك. قال: فدفن الرجل فبعث إليها رسول الله(ص): أنّ الله قد غفر لك ولأبيك بطاعتك لزوجك.»[30] [31]
فالمستفاد من ظاهر هذه الأخبار أنّ المرأة لا يجوز لها الخروج من الدار من دون إذن الزوج مطلقاً، وهو ما قال به مشهور الفقهاء، غير أنّ بعضهم فصّل في المسألة بما سنذكره في الجلسة القادمة إن شاء الله.