بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/11/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم والنشوز والشقاق / القسم / سقوط حقّ القسم بالنشوز

 

المسألة التي نذكرها تبعاً لما تقدّم هي أنّ الزوج إذا قرّر اصطحاب بعض زوجاته في السفر معه واقترع بينهنّ لتعيينهنّ، فهل له أن يخالف القرعة ويصطحب زوجة غير التي تخرج من القرعة؟

قال الشيخ: «إذا أقرع بينهنّ فخرج سهم واحدة، تعيّن حقّها وليس له أن يعدل بالسفر إلى غيرها، وإن اختار ترك السفر بهذه التي خرج سهمها كان له، لأنّ الحقّ تعيّن له، فكان له تركه.»[1]

وقد يُظنّ أنّ الحكمين اللذين ذكرهما متنافيان، إذ لو ثبت للزوجة حقّ بواسطة التعيين بالقرعة، فلا يجوز عدم اصطحابها، وإذا لم يثبت حقّ، فلا مانع من العدول عن نتيجة القرعة.

ولكن يمكن الجواب عليه بأنّ القرعة عندما يريد الزوج اصطحاب إحدى زوجاته تسبّب ثبوت حقّ لمن خرج اسمها من القرعة، ولكنّ القرعة لا تثبت حقّاً مطلقاً حتّى يجب اصطحابها على الزوج.

ولكن يشكل هذه الدعوى بأنّ إيجاد الحقّ لمن خرج اسمها من القرعة محتاج إلى الدليل، لأنّ المستفاد من أدلّة القرعة أنّه إذا ثبت وجود حقّ ولم يُعلم المستحقّ، فإنّ القرعة تعيّنه، أمّا أن توجد القرعة حقّاً فهذا ممّا لا دليل عليه.

فإذن لا مانع من العدول عن القرعة في المورد.

2 ـ النشوز

قال المحقّق الحلّي في سقوط حقّ القسم بالنشوز: «لا قسمة ل‌لصغيرة ولا المجنونة المطبقة ولا الناشزة ولا المسافرة بغير إذنه، بمعنى أنّه لا يقضي لهنّ عمّا سلف.»[2]

وقال صاحب الجواهر في توضيحه: «أمّا في الأُولى والثالثة فلا أجد فيه خلافاً هنا، وذلك لأنّ القسمة من جملة حقوق الزوجيّة، وهي بمنزلة النفقة التي تسقط بالصغر والنشوز، ولعلّه كذلك في الناشزة.»[3]

وفي كلامه نحو من الظهور في الترديد في المسألة.

وقال الشيخ في المبسوط حوله: «النفقة والقسم شيء واحد، فكلّ امرأة لها النفقة، فلها القسم، وكلّ من لا نفقة لها، فلا قسم لها.

وتستحقّ النفقة بالطاعة والتمكين من الاستمتاع ويسقط بالعصيان والمنع من الاستمتاع.

فإذا ثبت هذا فإذا سافرت ففيه ثلاث مسائل:

إحداها: سافر بها الزوج أو أشخصها من موضع إلى موضع، ففي هذه الأحوال لها النفقة والقسم جميعاً، لأنّها في قبضته وهو متمكن من الاستمتاع بها.

الثانية: إذا سافرت المرأة وحدها باذن الزوج، لا تسقط نفقتها ولا قسمتها، لأنّ الأصل ثبوت حقّهما، وفيه خلاف.

الثالثة: إذا سافرت بغير إذنه فإنّه لا نفقة لها ولا قسم، لأنّها ناشزة عاصية وليس لها النفقة ولا القسم.»[4]

وقال الشهيد الثاني: «لمّا كانت القسمة من جملة حقوق الزوجية وهي بمنزلة النفقة على الزوجة، فمن لا تستحقّ‌ النفقة لصغر أو نشوز فلا قسمة لها.»[5]

وقال كاشف اللثام في تعليله: «أمّا النشوز بالخروج من المنزل، أو الامتناع من المضاجعة، فلا شبهة فيه، وأمّا بغير ذلك فيمكن أن يكون ترك القسمة لها من إنكار المنكر، وأن يفهم من قوله تعالى: ﴿وَاللاّتِی تَخافُونَ‌ نُشُوزَهُنَّ‌ فَعِظُوهُنَّ‌ وَاهْجُرُوهُنَّ‌ فِی الْمَضاجِعِ‌﴾[6] على وجه.»[7]

لكنّ الحقّ أنّه لا دليل على دعوى تبعيّة حقّ القسم للنفقة وأنّه كلّما انتفت النفقة فإنّ القسمة منتفية أيضاً، إذ ليس في الأخبار ما يتضمّن ذلك. وما ذكره كاشف اللثام من أنّ الزوج لا يراعي حقّ قسمة الزوجة من باب نهيها عن المنكر، فهو أيضاً مخالف للدعوى، إذ يلزم منها أنّ لا تفقد الزوجة حقّ القسم بالنشوز، وإنّما يمتنع عن المبيت عندها من باب النهي عن المنكر على الرغم من ثبوت الحقّ لها.

والآية الشريفة أيضاً لا تدلّ على نفي حقّ قسمة الزوجة، لأنّ هجرها في المضجع لا ينافي المبيت عندها، خاصّة بالنظر إلى ما قيل في تفسير هجر المضجع ممّا سنتطرّق إليه في موضعه إن شاء الله.

فالحقّ أن نقول: إنّ الذي ورد في كلمات الأصحاب من سقوط حقّ القسم بالنشوز وافتراضه من المسلّمات، فهو اتّباع للعامّة، لأنّهم يرون حقّ القسم تابعاً للنفقة، ويستدلّون عليه بلزوم مراعاة العدالة بين النساء ممّا يجب في نفقة الزوجة. بينما دليل حقّ القسم عندنا ـ بناءً على ما تقدّم كراراً ـ أدلّته الخاصّة التي لا علاقة لها بلزوم مراعاة العدل أو وجوب النفقة.

إذن لا وجه لسقوط حقّ القسم بالنشوز، وربّما يستفاد ذلك من كلام المحقّق أيضاً، لأنّه يقول أوّلاً: إنّ النشوز يسبّب سقوط حقّ القسم، ثمّ يقول في بيان مراده: «وذلك بمعنى أنّه لا يجب على الزوج قضاؤه»، وهذا ظاهر في أنّ نشوز الزوجة إذا كان بنحو لم يمكن المبيت عندها، فلا يجب على الزوج قضاء تلك المدّة لها بعد رجوعها إلى طاعته، وهو صحيح، إذ حتّى على القول بلزوم القضاء في القسمة، فإنّ الزوجة هي التي ضيّعت حقّها فلا تستحقّ القضاء.

وأمّا إذا لم يكن نشوزها بهذا النحو وأمكن المبيت عندها، فلا يستفاد من كلام المحقّق سقوط حقّ القسمة بمجرّد نشوزها.

نعم، إذا ادّعي أنّ الحقوق الزوجيّة متقابلة وكلّما لم يراع أحد الزوجين حقّ الآخر فللآخر أن لا يراعي حقّه أيضاً، فلنا أن نقول: إذا نشزت فللزوج أن لا يراعي حقّها في القسمة، وأمّا إطلاق ذلك وأنّ أيّ الحقوق بين الزوجين تقع بإزاء بعضها، وأنّ الزوجة مثلاً إذا لم تراع أحد حقوق الزوج ولكن أدّت سائر الحقوق، فأيّ الحقوق يستطيع الزوج عدم مراعاتها؟ فهو مشكل.

وعليه فنتوقّف في هذه المسألة.


[1] المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج4، ص334.
[2] شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام (ط اسماعیلیان)، المحقق الحلي، ج2، ص281.
[3] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج31، ص190.
[4] المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج4، ص328.
[5] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج8، ص342.
[6] سوره نساء، آيه 34.
[7] كشف اللثام و الإبهام عن قواعد الأحكام، الفاضل الهندي، ج7، ص490.