45/11/18
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: القسم والنشوز والشقاق / القسم / عدم التفاوت بين سفر نقلة وغيبة
تقدّم أنّه لا وجه لقضاء حقّ القسم للزوجات اللاتي لم يصحبنهنّ الزوج في سفره.
ولا فرق في المسألة بين ما إذا كان الرجل قد اصطحب معه إحداهنّ أو لا، وكذا ما لو كان اصطحابها بالتوسّل بالقرعة أو بإرادته، إذ تقدّم أنّ دليل حقّ القسم ليس لزوم مراعاة العدالة بين الزوجات وإنّما هناك أدلة خاصّة تدلّ عليه، وتقدّم أنّها خُصّصت بحال الحضر، فلا تشمل السفر.
وكذا لا فرق بين أن يكون سفره سفر نقلة أو غيبة، إذ مادام يصدق عليه أنّه مسافر فلا يثبت للزوجات حقّ القسم، فإذا اصطحب معه إحداهنّ وبات عندها مدّة حال السفر، فهذا لا يعدّ من حقّها في القسم. ولذلك إذا اصطحب معه أكثر من زوجة وبات عند إحداهنّ فقط، فلا إشكال ولا يعدّ ذلك تضييعاً لحقّ البواقي.
بل لو نوى الإقامة في مكان فإنّ ذلك لا يؤدّي إلى ثبوت حقّ القسم للزوجة التي اصطحبها، لأنّ قصد الإقامة لا يوجب عدم صدق عنوان المسافر على الزوج وإنّما يصحّح عبادات كالصلاة التامّة أو الصيام.
نعم، إذا كان للزوج بيت في مدينة أُخرى وله زوجة فيه، فإذا ذهب إلى هناك ثبت لها حقّ القسم، لأنّ الزوج ليس مسافراً بالنسبة إليها بل هو في الحضر. ولكن لا وجه لما تقدّم في كلمات الشيخ من أنّه إذا بات عند إحدى زوجاته في مدينة عشر ليال، فعليه أن يبيت بالمقدار نفسه لدى زوجته الأُخرى المتواجدة في مدينة أُخرى، إذ قلنا بأنّه مادام مسافراً بالنسبة إلى إحدى الزوجات، فليس لها حقّ القسم، وحقّ القسم لا يستند إلى وجوب مراعاة العدالة بين الزوجات. نعم، صحيح أنّ عليه أن لا يعامل الزوجة بحيث يخالف الأمر بالمعاشرة بالمعروف معها، أو يجعلها كالمعلّقة، لكن لا علاقة لذلك بحقّ القسم.
وأمّا فيما إذا تزوّج أكثر من زوجة واصطحب معه في السفر إحداهنّ بعد النكاح مباشرة ممّا تقدّم في كلمات العلامة، فإنّ كاشف اللثام قال في توضيح كلام العلامة: «لو كان تحته زوجتان فتزوّج أُخريين وسافر بإحداهما بالقرعة قبل توفيتهما ما لهما من حقّ التخصيص، لم يندرج حقّها من التخصيص في السفر، بل له مع العود توفيتها حصّة التخصيص، لأنّ السفر لا يدخل في القسم والتخصيص إنّما هو من ليالي القسم، خلافاً للشيخ فأدرج حقّها في السفر، لحصول المقصود به فيه وهو الأُنس وزوال الحشمة.
ثمّ إنّه لابدّ من أن يقضي حقّ المقيمة إذا حضر، من الثلاث أو السبع على القولين، إمّا بعد قضاء حقّ المصحوبة أو قبله إن ترتّبتا في النكاح أو بالقرعة، وذلك لاستصحاب ما لها من الحقّ من غير ما يدلّ على إسقاط صحبة الأُخرى في السفر له. كما أنّه إذا قسّم للأربع لكلّ منهنّ ليلة فبات عند ثلاث ثمّ سافر واستصحب معه غير الرابعة، فإنّه يبقى عليه حقّ الرابعة، فإذا أعاد وفّاها حقّها. وللعامّة وجه بالعدم حكى في المبسوط للزوم تفضيلها على المصحوبة، لأنّه لم يقضها ما لها من الحقّ وإنّما دخل حقّها في السفر، فلو قضى المقيمة حقّها لزم التفضيل.»[1]
ولكن الشيخ يقول في ذلك: «إذا كانت له زوجة فتزوّج أُخراوين فزفّتا إليه، فقد ثبت لكلّ واحدة منهنّ سهمها من القسم بحقّ العقد، سبع للبكر وثلاث للثيب. فإن أراد سفراً نظرت؛ فإن لم يسافر بهنّ فلا كلام، وإن أراد أن يسافر بواحدة منهنّ فلابدّ من القرعة، فإن خرج سهم إحدى الجديدتين فسافر بها، دخل حقّ العقد بكونها معه في السفر، لأنّه وفّى حقّ العقد، لأنّ القصد كونها معه وأُنسه بها لتزول الحشمة، والسفر قد حصل هذا فيه.»[2]
والحقّ ما ذهب إليه الشيخ في أصل المسألة، إذ لا وجه لما ادّعاه العلامة، حيث تقدّم أنّه لا علاقة بين حقّ القسم وبين حقّ الزفاف وللثاني أدلّته الخاصّة به، وليس فيها ما يقيّد أداءه بحال الحضر ـ إذ ليس للمتشرّعة سيرة في حقّ الزفاف على خلاف حقّ القسم من قبيل السفر بعد النكاح مباشرة وقبل أداء حقّ الزفاف، بل السيرة قائمة على خلافه ـ وللزوج أن يؤدّي حقّ زفاف زوجته حال السفر أيضاً، غير أنّ الدليل الذي ذكره الشيخ لكفاية أداء حقّ الزفاف حال السفر استحسان ولا يكفي.
وأمّا بالنسبة إلى اختيار الزوج في اصطحاب الزوجة بعد عرسها معه في السفر أو عدمه، فنقول: المستفاد من أخبار حقّ الزفاف أنّ هذا الحقّ ثابت للزوجة في بداية الزفاف، فإذا أمكن الزوج اصطحابها، فعليه أن يأخذها معه أداءً للحقّ، وإذا لم يمكن لوجب تأخير السفر حتّی الإمکان لأداء حقّها، وإذا كان السفر ضروريّاً ولم يمكن تأخيره، فللزوج أن يسافر ولا يصطحب الزوجة معه ولكن لا وجه في هذه الصورة لوجوب القضاء عليه بعد الرجوع من السفر، والسبب عين ما تقدّم في عدم وجوب قضاء حقّ القسم.
ومن الصحيح أيضاً ما ذكره الشيخ من الاقتراع تعييناً للزوجة التي يصطحبها معه، وقد تقدّم الوجه فيه.