44/11/08
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: المهور / أحکام المهر / الأخبار الواردة على لزوم ردّ نصف المهر
2 ـ الأخبار الواردة في المقام:
الأوّل: ما رواه الشيخ من خبر شهاب بن عبد ربّه، قال: «سألت أبا عبدالله(ع) عن رجل تزوّج امرأة على ألف درهم فبعث بها إليها فردّتها عليه ووهبتها له وقالت: «أنا فيك أرغب منّي في هذه الألف، هي لك» فقبلها منها ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها؟ قال: لا شيء لها وتردّ عليه خمسمائة درهم.»[1] [2]
فهو يدلّ على لزوم ردّ نصف المهر في صورة تحقّق القبض خارجاً وهبة الزوجة إيّاه للزوج، وإن أشكل سنده لوجود «صالح بن رزين» المجهول.
ولكنّ الصدوق رواه بسند صحيح عن شهاب بن عبد ربّه، وقد ورد فيها: «عن رجل تزوّج بامرأة بألف درهم فأدّاها إليها فوهبتها له وقالت: «أنا فيك أرغب» فطلّقها قبل أن يدخل بها؟ قال: يرجع عليها بخمسمائة درهم.»[3] [4]
ويختلف سند الصدوق عن سند الشيخ في أنّ إسناد الصدوق إلى شهاب لا يشتمل على صالح بن رزين، فإنّ الحسن بن محبوب يروي عن شهاب مباشرة، بينما الراوي عن شهاب في نقل الشيخ هو صالح بن رزين، وبما أنّ هناك موارد أُخرى من رواية الحسن بن محبوب بلا واسطة عن شهاب، فيمكن الوثوق بنقل الصدوق.
الثاني: موثّقة سماعة، قال: «سألته عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها ثمّ جعلته من صداقها في حلّ، أيجوز له أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً؟ قال: نعم، إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه، فإن خلاها قبل أن يدخل بها ردّت المرأة على الزوج نصف الصداق.»[5] [6]
وهو ورد فيما أبرأت الزوجة ذمّة الزوج، فتصريح الإمام(ع) بأنّ القبض متحقّق في صورة إبراء الذمّة مشير إلى ما تقدّم سابقاً.
وبالنظر إلى الرواية والقبول بسندها وعدم الإعراض عنها، فيمكن الحكم بوجوب ردّ نصف البدل في صورتي هبة عين المهر للزوج وكذا إبراء ذمّة الزوج من قبل الزوجة فيما إذا طلّقت بعد ذلك قبل الدخول.
ولكن يجب الالتفات إلى أنّه لو وهبته أو أبرأته مشروطاً بعدم الطلاق، فلو تحقّق الطلاق ولو بعد الدخول، فللزوجة أن ترجع عن هبتها أو إبرائها، إذ تقدّم منّا أنّ الشرط ضمن الإيقاع صحيح يستتبع آثاراً وضعيّة.
الفرع الثاني: أن يجعل جميع المهر عوضاً عن الخلع في الطلاق الخلعيّ قبل الدخول
إذا وهبت الزوجة قبل الدخول جميع مهرها للزوج ليطلّقها خلعاً، فهل يجب على الزوجة أن تدفع إليه بدل نصف المهر أيضاً؟
قال الشهيد الثاني في المسالك: «لا يخلو الحكم هنا من إشكال، للفرق بين الهبة والإبراء له قبل الطلاق وبين الخلع، لانتقال الملك فيهما قبله، فلم يصادف الطلاق الموجب لعود النصف إليه ملكاً، فانتقل إلى العوض.
وأمّا الخلع فانتقال ملك المهر به إلى الزوج لا يحصل بمجرّد البذل من المرأة، بل به وبالخلع، لأنّها جعلته عوضاً عن البينونة، فلا يملك إلا بتمام السبب وهو الطلاق، وبه يحصل أيضاً استحقاقه للنصف، فيتمّ السببان في حالة واحدة وإن تقدّم جزء السبب في ملك عوض الخلع، فلا يتمّ ما قالوه من سبق ملكه له على استحقاقه النصف بالطلاق فضلاً عن سبقه على الطلاق كالهبة.
ويمكن ترجيح جانب الخلع لسبق سببه وهو البذل، وإن توقّف تمام الملك على الطلاق، ويكون كما لو وهبته ولم يقبضه أو دبّرته، فقد قيل بسقوط حقّه عن العين بذلك وإن كان تمام الملك في الهبة يتوقّف على القبض والعتق في التدبير على الوفاة.
والحقّ أن هذا لا يحسم مادّة الإشكال والحكم في الأمرين ممنوع والوجه واحد، وهو عدم انتقاله عن ملكها بذلك، فلا مانع من أخذه العين.
ويمكن توجيه رجوعه هنا بنصف القيمة بوجه آخر، وهو أن يجعل هذا الخلع بمنزلة ما لو خلعها على عين لا تستحقّ سوى نصفها، فإنّ الخلع يصحّ مع جهله ويرجع إلى قيمة النصف أو مثله كما سيأتي. وهنا لمّا كان انتقال مال الخلع لا يحصل إلا بالطلاق وبه يتحقّق انتقال النصف إليه به، نزّل ذلك منزلة ما لو خلعها على عين مشتركة بينهما.
ويشكل الحكم مع علمه بالحال إلا أنّ الأمر هنا أسهل من السابق والإشكال فيه أقلّ.»[7]
وما ذكره في خصوص عدم ملكيّة الزوج للمهر بمجرّد الهبة في الخلع، فهو مبنيّ على أنّ الخلع تهب فيه الزوجة للزوج مالاً أوّلاً ثمّ يوقع الزوج في مقام القبول صيغة الخلع، فهذه الصيغة كما تسبّب تحقّق الفراق فكذلك تحقّق قبول البذل بها، فما لم يتمّ إجراؤها، فالزوج لا يملك المال المبذول بمجرّد البذل.
وسوف نتناول دراسة مدّعاه ونقدها في الجلسة اللاحقة إن شاء الله.