44/11/03
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: المهور / أحکام المهر / كون المهر عمل الزوج
الفرع العاشر: أن يكون المهر عمل الزوج
إذا جعل عمل الزوج مهراً للزوجة ـ كما لو كان مهرها تعليم الزوج إيّاها صنعة ـ فلو أدّاه الزوج قبل الطلاق، فعلى الزوجة بعد الطلاق أن تُرجع إليه نصف قيمة عمله حين العقد، إذ لا يمكن ردّ نصف العمل، وكلّ ما لم يمكن ردّه فهو في حكم التالف ويجب دفع بدله، وبدل العمل قيمته.
وأمّا إذا لم يؤدّه الزوج إلى حين الطلاق الواقع قبل الدخول، فقد ذهب الأصحاب إلى وجوب دفع نصف قيمة العمل من قبل الزوج للزوجة.
قال الشهيد الثاني في وجه ذلك: «يتعذّر تعليمها نصف الصنعة خاصّة، إذ ليس للنصف حدّ يوقف عليه، أو لا نصف لها مطلقاً، فينزّل ذلك منزلة ما لو تلف الصداق في يده، فيرجع عليه بنصف الأُجرة؛ ولأنّه صار أجنبيّاً لا يصلح تعلّمها منه لو فرض إمكان التوصّل إلى الحقّ.»[1]
ولكن يشكل عليه أوّلاً: ببطلان دعوى أنّ تعليم الصناعة لا يقبل التنصيف أبداً، بل يمكن ذلك في بعض الموارد عرفاً.
وثانياً: إنّ تعليم الأجنبيّ صناعة للأجنبيّة ليس محرّماً شرعاً في كلّ الأحوال، بل ليس فيه أيّ محذور شرعيّ في كثير من الموارد.
ثالثاً: لو لم يمكن تنصيف الصنعة عرفاً في أحد الفروض، فإذا لم يوجد محذور من تعليمه من قبل الأجنبيّ، أو لم يشترط مباشرة الزوج للتعليم واستطاع الزوج أن يعلّم الزوجة صنعة بواسطة استخدام امرأة، فلا وجه لوجوب دفع الزوج نصف عوض التعليم للزوجة؛ لأنّ الزوجة ملكت عمل الزوج بمجرّد العقد، والطلاق لا يتسبّب في زوال الملكيّة السابقة، بل يوجب تنصيف الملكيّة بين الزوج والزوجة ممّا ينتج عنه أنّه لو وجد المهر وأمكن ردّه، فتنصيفه بين الزوج والزوجة يكون بالإشاعة، وفيما إذا تلف المهر أو لم يمكن ردّه، فيجب ردّ عوض نصف المهر من قبل الزوجة. وبما أنّ المهر فيما نحن فيه لم يتلف ويمكن ردّه، فمقتضى القاعدة أن يعلّم الزوج الزوجة تلك الصناعة ويطالبها بنصف القيمة، ولا وجه لإلزام الزوج بردّ نصف قيمة التعليم للزوجة.
وأمّا إذا أمكن تنصيف التعليم المجعول مهراً ـ كما لو جعل المهر تعليم سورة من القرآن ـ فقد قال فيه الشيخ في المبسوط: «إن طلّقها قبل التعليم، فإن كان بعد الدخول فقد استقرّ التعليم عليه، وإن كان قبل الدخول استقرّ نصف التعليم عليه.
وهل له أن يلقّنها ما استقرّ عليه؟ قيل: فيه وجهان، أحدهما: له ذلك من وراء حجاب؛ وهو الأقوى عندي، والثاني: ليس له تلقينها لأنّها أجنبيّة، فإذا خاطبها ولقّنها لا يؤمن الافتتان بها؛ وهو الأقوى عندهم.»[2]
وقال الشهيد الثاني: «إن حرّمنا على الأجنبيّ سماع صوت المرأة مطلقاً، أو جوّزناه ولكن خيف الفتنة، أو لم يمكن ذلك إلا بالخلوة المحرّمة، رجعت عليه بنصف الأُجرة كالصنعة، لتعذّر الرجوع إلى نصف المفروض بمانع شرعيّ، فيكون كالمانع العقلي.
وإن أمكن ذلك بدون محظور، قيل: جاز تعليمها النصف من وراء حجاب... وقيل: ترجع عليه بنصف الأُجرة مطلقاً، لما ذكر من الموانع، ولأنّ النصف يعسر الوقوف عليه، لاختلاف الآيات في سهولة التعليم وصعوبته.
وعلى الأول تقسّم السورة بالحروف لا بالآيات.»[3]
والحقّ في المسألة ما ذهب إليه الشيخ والشهيد الثاني ولا وجه لعدم جواز التعليم في صورة لم يستلزم التعليم محذوراً شرعيّاً، ولا إشكال في الرجوع إلى نصف أُجرة التعليم في هذا الفرض خلافاً للفرض السابق؛ لأنّ السابق كان المدّعى فيه عدم إمكان التنصيف، بينما المدّعى في فرضنا عدم إمكن التعليم حيث يكون المهر بحكم التالف. وأمّا دعوى عدم إمكان التنصيف في هذه الموارد فهو خلاف الفرض، لأنّ البحث إنّما هو فيما أمكن التنصيف عرفاً، وتعليم السور ممّا يرى العرف التنصيف فيه ممكناً.
وبالنسبة إلى ملاك تنصيف السور وأنّه هل يجب التنصيف على أساس الألفاظ أم لا؟ فيجب الالتفات إلى أنّ المهر عندما يكون تعليم السور، فالمراد من نصف المهر هو نصف تعليم السورة، لا تعليم نصف السورة، فيختلف تعيين النصف بحسب المورد، فيجب فيه الرجوع إلى أهل الخبرة، وربّما لوحظ في تعليم القرآن فضلاً عن کمّيّة الألفاظ سهولة التعليم وصعوبته، وكذا اختلاف قدرة المتعلّم في تعلّم الألفاظ، والخبير بملاحظة جميع الأُمور الدخيلة في التعليم يعيّن مدّة التعليم، فيتبيّن نصف التعليم على أساسه.