الأستاذ السید محمدتقی المدرسي
التفسير

46/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: طرق تنمية العقل

تمهيد: ما الحاجة إلى تنمية العقل؟

العقل أول مخلوق نوراني خلقه الله سبحانه، ثم جعله محور إمتحان الإنسان والمائز بينه وبين البهائم، لذا فإن الإنسان يشعر بضرورة تنمية عقله لكنه قد يخطئ الطريق كما يخطئ الكثير من البشر في معرفة الصراط المستقيم بالرغم من الطلب الدائم من الله سبحانه وتعالى بأن يهديه هذا الصراط!

كيف ينمو العقل؟

من طبيعة البشر أنه يريد الحصول على المكاسب بلا صعوبات ويرجع سبب ذلك إلى حبه الشديد للراحة وهذا في الحقيقة خطأٌ فادح؛ لأن الراحة لم تخلق في الدنيا بل إن الرب تعالى يؤكد في آيات القرآن على الجهاد والكدح، قال تعالى: ﴿يا أيها الانسان إنك كادح الى ربك كدحا فملاقيه﴾، مما يعني أن الكدح مطلوب على كل حال شئنا أم أبينا، ومن كل أحد سواءً للدنيا أو للآخرة، فالأبرار يكدحون من أجل الآخرة، وغيرهم قد يكدح فيما لا فائدة فيه من حطام الدنيا الزائل، وإذا تبلورت هذه الرؤية – أن التكامل إنما يكون بالكدح – فإن الأهداف ومن ذلك بلوغ العقل إلى مرحلة الرشد.

وسائل تنمية العقل

كما أن السيارة بحاجة إلى إدارة المفتاح لأجل تشغيلها ومن ثم الاستفادة منها، كذلك الإنسان فإنه بحاجة إلى الإرادة لكي يتحرك، ولأن إرادته قد تخور وعزيمته قد تضعف فلا مناص من تنمية إرادته من خلال الدعاء والطلب من الرب العزيز تقوية روحه وبدنه، وهكذا ورد في دعاء كميل: قوِ على خدمتك جوارحي واشدد على العزيمة جوانحي، وأيضاً من خلال الإستفادة من الإرادة في إتباع الحق والتسليم له ونبذ الأفكار الشيطانية التي تسممها، وإقتحام العقبات وتجاوزها قد تشتد العزيمة.

الاعمال التي تزيد في العقل

تواصل سورة الرعد المباركة بيان الأعمال التي يُستدل بها على العاقل في تنمية عقله ومن ذلك.

 

صلة الرحم اية العقل

قال تعالى: ﴿والذين يصلون ما أمر الله به ان يوصل﴾

واضح أن الإنسان كائن إجتماعي ويحب أن يعيش في جماعة، كما أنه لا يحب البقاء وحيداً، ولكن البعض قد يخطئون في فهم المجتمع فتراهم يرغبون دوماً في أن يصلهم الناس، دون أن يصلون أحداً لذلك فإن الآية المباركة تؤكد هذه الحقيقة على مستوى صلة الإنسان لقرابته أو على مستوى صلة رحم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم باعتباره جزءا من الدين وحق جعله الله ورسوله للنبي صلى الله عليه واله وسلم بعد رحيله.

خشية الله سمة العقلاء

قال تعالى: ﴿ويخشون ربهم﴾

لو قيل بأن منطقة ما مراقبة بالكاميرات فإن سلوك الإنسان يختلف عندما يكون فيها، كذلك الأمر بالنسبة للعقلاء فإنهم دائمي الخشية من الله تعالى؛ لأنهم يعيشون حالة رقابة الله له على كل حال، وإذا استقر تفكيره بهذا الشكل فإنه ينتظم ويفكر بطريقة صحيحة، حُكي أن زليخة زوجة عزيز مصر لما خلت بيوسف عليه السلام قامت وغطت وجه صنمها، فقال يوسف عليه السلام: ما لك تستحين من مراقبة جماد ولا تستحين من مراقبة الملك الجبار؟.

خوف الحساب يؤرق العقلاء

قال تعالى: ﴿ويخافون سوء الحساب﴾

تتعدد أسباب المخاوف التي قد يُبتلى بها الإنسان، فربما يكون الخوف من ملاحقة سلطة حاكمة، أو من بعض المخلوقات أو من بعض الظواهر الكونية كالزلازل والفيضانات وما شابه، لكن العقلاء حفظوا أسباب الخوف وعرفوا أن الخوف الحقيقي إنما هو من حساب الله عز وجل؛ لأن حساب الله دقيق ولأن الشاهد هو الحاكم، وهكذا قد جعلوا نصب أعينهم الحديث القدسي الذي قال فيه الرب تعالى: إنه ليس عبد انصبه للحساب الا هللك

بالصبر يستشرف العقلاء المستقبل

قال تعالى:﴿والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم﴾

إن حقيقة الصبر هي إلغاء الإنسان للزمن ليصل إلى المستقبل مباشرة حتى تهون عليه الأمور، وخير مثال يوضح المراد هم أصحاب الإمام الحسين عليه السلام ليلة العاشر من المحرم، فقد حُكي أن حبيب ابن مظاهر رضوان الله تعالى عليه خرج من خيمته ضاحكا! فقال له يزيد بن الحصين التميمي ما هذه ساعة ضحك؟ فقال له حبيب أي موضع أحق من هذا السرور؟ والله ما هو إلا أن يميل علينا هؤلاء الطغاة فنعالجهم بسيوفنا ساعة ثم نعانق الحور العين)، ومن يصبر على الأمور الصعبة في الدنيا ويتذكر الآخرة في آلامها ومصاعبها، والإستشراف في واقعه نمو للعقل.

الصلاة جلاء قلوب العقلاء

قال تعالى: ﴿واقاموا الصلاة﴾

هكذا ترى العقلاء يقيمون الصلاة؛ والإقامة تعني العزم والإهتمام بكل شرائطها لكي تبقى الصلة بين العبد وربه دائمة وغير منقطعة، وبل وترفع الحجب عن العقل ليتذكر ما أودع فيه.

إنفاق العقلاء تهذيب لنفوسهم

قال تعالى: ﴿وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية﴾

في جميع الحالات نجد العقلاء هم السباقون إلى الإهتمام بالناس فمن جانب يهتمون بتلك الطبقة المحرومة من خلال مجهودهم الشخصي بينهم وبين الله سبحانه وذلك بالإنفاق سراً، ومن جانبٍ آخر فإنهم قد يُحرّضون بقية الناس على الإنفاق علناً؛ لأجل أن يقتدي بهم الآخرون.

إن العاقل يحارب الرياء والعجب في نفسه من خلال الإنفاق سراً، ويتحدى من يأمره بالبخل عند العطاء علانيةً وهكذا تراه دوماً يسيطر على عقله على سلوكه.