46/03/19
الموضوع: العقل والعلم تكامل لبصيرة الإنسان
هكذا يكون العلم حجاباً
العلم كما هو واضح لدى الجميع وسيلة لمعرفة الله ومعرفة الخليقة؛ لأنه نور والنور من طبيعته كشف الحقائق، لكن المشكلة في أنه قد يصبح العلم عند البشر حجاب يجعل من يحمله يعيش الجهل، فقد يكون مصداقاً ما ورد عن النبي صلى الله عليه واله حينما قال أن: «من العلم جهلاً»، ولكن كيف يا تُرى يكون حجاباً مانعاً من المعرفة؟
إننا بحاجة للإجابة بعض الأمثلة: لو أن رجلاً دخل غابةً كبيرة مليئة بالأشجار، لكنه ركز نظره على شجرةٍ واحدة من أشجارها وترك الباقي، ففي هذه الحالة تحول علمه بالشجرة إلى حجابٍ عن رؤية باقي الغابة، وكذا أيضاً إن من يتعب نفسه في معرفة أسرار النمل ويكتب عنها آلاف الكتب وينسى أن هذه العجائب والاسرار المودعة فيها تدل على خالق لها لكنه نساه، مما يعنى تحول العلم بها إلى حجاب عن معرفة خالقها، مع أن الإنسان في الحالة الطبيعية يعلم أن لكل مخلوق خالقاً، لكن حينما يتركز العلم على الإهتمام بالبدايات من دون الإنتقال إلى الغايات تتحول العلوم الى حجب كما هو حال العلم اليوم عند الكثير من الناس حيث يقوم على أساس الكفر بالله تعالى.
لكيلا يكون علمنا جهلاً
إن المنهج الصحيح الذي يحول دون تحول العلم إلى حجاب هو البدء بمعرفة الحقائق والإنتهاء بمعرفة الله؛ لأنه يكامل العقل من خلال الربط بين ما خلق الله وبين الله، وهذا يتجلى بشكل واضح فيما ذكرته سورة آل عمران عند الحديث عن أولي الألباب الذين بدؤوا في تأملهم في خلق السماوات والأرض وانتهى بهم التفكير إلى معرفة الحكمة من الخلق، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ مما يعني أ ن الإنسان خلق لهدف أراده الله وعليه أن يخلص نفسه من نار جهنم
دور العلم والعقل في تكامل الانسان
عند الرجوع الى آيات الذكر وما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام حول العلاقة بين العلم والعقل نجدها لا تفتأ تذكر العلاقة بينهما ودورهما في تكامل الإنسان، قال تعالى: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها)، فالآية المباركة بصرتنا ببصيرة أن طبيعة العلم كشف للحقائق، وبعد إنكشاف هذه الحقائق يميز العقل الخير والشر والحق والباطل عملياً، من خلال إخراج الإنسان من الظلمات الى النور، قال أمير المؤمنين عليه السلام: ( العلم مصباح العقل)، وقال أيضاً (ع) إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: «إن الله تعالى خلق العقل من نور مخزون في سابق علمه لم يطلع عليه نبي مرسل ولا ملك مقرب فجعل العلم نفسه»، مما يعني أنهما سيران بنفس كنور واحد لتشكيل أقوى علاقة لرفع الحجب عن الإنسان هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر نجد أن العلم في مدرسة الوحي ليس معلومات تخزن في ذاكرة الإنسان، بل لابد أن يتجلى من خلال الإيمان العملي كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: (الإيمان والعلم أخوان توأمان ورفيقان لا يفترقان)، ومعنى ذلك تحوله إلى برنامج عمل للنفس حتى يشع على الحقائق كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: «العلم مجبول في قلوبكم تأدبوا بآداب الروحانيين يظهر لكم»، وقال عليه السلام: «كلما إزداد علم الرجل زادت عنايته بنفسه في رياضتها وصلاحها جهده»، واذا أعتنى بها وهذبها تجلى ذلك في تواضعه مع الآخرين وحينما يصل العلم بالإنسان إلى هذه الحال فإن ثمار العلم ستنعكس على كافة المستويات والتي اهمها معرفة الله سبحانه وتعالى.
ورد في الكافي عن الشيخ الكليني رضوان الله تعالى عليه أن عيسى ابن مريم عليه السلام قال: «يا معشر الحواريين لي اليكم حاجة اقضوها لي، قالوا: قضيت يا روح الله فقام فغسل أقدامهم فقالوا كنا نحن أحق بهذا يا روح الله، فقال: إن أحق الناس بالخدمة العالم إنما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم، ثم قال عليه السلام: بالتواضع تعمر لحكمة لا بالتكبر وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل»
آيات الله في الآفاق بصيرة العقلاء
قال تعالى: ﴿إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنـزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون﴾ بصائر الآية
الأولى: تحدثت الآية المباركة عن مجموع مختلف من آيات الله في خلقه ثم علقت فهم هذا الإختلاف على العقل.
الثانية: إن التفكر في حجم السماوات والأرض مع تنوع الموجودات يدل على حكمة الخالق سبحانه.
الثالثة: إذا نظرنا إلى الخلق من حولنا برؤية إيمانية فإن إيماننا يزداد وعلى الإنسان أن يجعل من الحياة مدرسة، فالبحر وما فيه والارض وما عليها والسحاب المسخر بين السماء والأرض وكيف تحرك الرياح السفن في البحر، يدل على تفاعل وحركة تدفع الانسان لإكتشافها.