46/03/12
الموضوع: طائفة ممن لا عقل لهم
في البدء تمهيدان
1 المنافقون لا عقل لهم
كما نعلم أن هناك وسائل لقياس بعض الأمور المتصلة بحياة الإنسان المادية كقياس درجه الحرارة ومستوى الضغط وما شابه، لكن لا نجد هذه المقاييس في أموره المتصلة بحياته المعنوية، كقياس مستوى العقل ونسبه وجوده عند كل إنسان وقياس مستوى الإخلاص ولكن الشرع المقدس قد جعل علاماتٍ يُستدل بها على مثل ذلك مثل قول الله سبحانه وتعالى: ﴿أفتطمعون ان يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون﴾ لهذا نجد إشاره إلى أن المنافقين لا عقل لهم، أليس العقل يتجلى في السلوك كما يتجلى في إتباع الحق، لكن المنافقين بدلوا كلام الله سبحانه وهم على علمٍ بما فعلوه فأين العقل عندهم؟
2 العقل يُعرف بالعقل
العقل كالشجرة التي لها أصول وفروع فمن أراد أن يستدل على عقله فلينظر الى أبعاد هذه الشجرة كما أن من أراد أن يعرف عقله فلا يتوقع أنه يستطيع معرفته بغير عقله؛ لأن العقل كما أنه يعرف الأشياء فإنه أيضاً يُعرف نفسه، وإذا قرر شخصٌ ما إنتهاج هذا النهج فإنه يكون قد انتهج النهج الصحيح، وأما إذا قرر معرفة العقل بالألفاظ أو المصطلحات فإنه لن يزدد عنه إلا بعداً! فتعالوا نعرف واقع الذين لا عقل لهم.
من يكتم الحقائق لا عقل له!
قال تعالى: ﴿يا اهل الكتاب لما تحاجون في ابراهيم وما انزلت التوراة والانجيل الا من بعده افلا تعقلون﴾
بصائر:
الأولى: من يراجع تاريخ أهل الكتاب يجد أنهم بما تحدثت عنهم الآية من التدليس ولبس الحق بالباطل، والقول بلا دليل مما يعني أنهم بلا عقل!
الثانية: إن دين الله سبحانه وتعالى لا يتصل بأشخاص بل بحكمة الرب، حيث أنه سبحانه لم يختر إبراهيم عليه السلام لأن أبيه أخنوخ ولا لأنه من بابل أو ما أشبه، بل اختاره الله لأنه نجح في الامتحانات التي أُبتلي بها كما حكى عنها القران الكريم في قوله سبحانه وتعالى: ﴿واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن﴾ فانتماؤنا له عليه السلام ـ ليس لسببٍ مادي بل لأنه كان رفعاً لراية توحيد الله سبحانه وتعالى في الأرض، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى لا فرق بين رُسل الله سبحانه وتعالى سواءٌ كان موسى أو عيسى عليهما السلام؛ لأن كلهم في نهاية المطاف حمله الدين ومن لا يقبل هذا فإنه حقيقة بلا عقل!
آية العاقل أنه يستشير العقلاء
قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من افواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات ان كنتم تعقلون﴾.
بصائر من الآية:
الأولى: من العقل أن يبحث الإنسان عن مصلحته مع صديقه المخلص ويدع البحث عنها مع المنافق، ولذا فإن إختيار الشخص الذي نريد ان نستشيره في بعض الأمور يجب أن يكون من نفس البطانة ونفس طريقه التفكير وليس من بطانه أخرى أو يتبع منهج آخر في التفكير؛ والسبب في ذلك أن المشورة ستكون متقاربه مع ما يخدم مصلحه الإنسان، أما إذا كانت البطانة من جهةٍ أخرى فإن المشورة لن تحقق الغاية المرجوة، لأنهم قد ينافقون أو يغشون، وقد يظهر هذا الرفض من خلال كلماتهم، وما تخفي صدورهم أكبر مما عبروا عنه، وهكذا ورد عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال: ما أضمر إمرء شيئاً إلا وظهر على فلتات لسانه أو قسمات وجهه أليس اللسان ترجمان القلب والناطق بإسمه، ومن الطريف أن نقول إن المؤتمرات والقمم التي يحضرها رؤساء الدول نجدهم يلبسون نظاراتٍ سوداء؛ لكي لا تظهر إشارات عيونهم عكس أفكارهم فيُعرف رأيهم قبل أن يتفوهوا بكلمه.
الثانية: إن اختيار شخص من غير الجماعة المؤمنة لا يحتاج الى بذل جهد كبير في بيان عدم صوابية هذا الاختيار لأنه واضح كالشمس فلا تجعلوا عقولكم في إجازة.
توهين شعائر الدين دلاله عدم العقل
قال تعالى: ﴿وإذا ناديتم الى الصلاة اتخذوها هزوا ولعب بأنهم قوم لا يعقلون﴾
بصيرة الآية:
إن العاقل هو ذلك الشخص الذي يفكر ويتأمل بما أن هناك خالقاً له وإن بيده مجاري الأمور كلها لابد وأن تكون بيننا وبينه صله وهذه الصلة قد تكون في صورة الصلاة أو في صورة الحج أو في صوره الصيام أو في زيارة النبي صلى الله عليه واله أو زيارة الامام الحسين عليه السلام، وإن الذين يسخرون من هذه الشعائر لم يعرفوا أن مجرد الحصول على الدنيا لا تكفي الإنسان ولا تشبع ظمؤه الروحي؛ لأنه ليس مجرد قطعٌ من لحم لا روح فيها، بل ان حاجاته الروحية أكثر من حاجاته المادية.
كيف يدلنا وضع القوانين الشركية على نقص العقل؟
قال تعالى: ﴿ما جعل الله من بحيرة ولا سائبه ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب واكثرهم لا يعقلون﴾
بصائر من الآية
الأولى: حينما نقرأ القرآن الكريم نجده يوجه الإنسان توجيهاً جدياً نحو الحرية وفك الأغلال المتمثلة في القوانين البشرية التي تمنع من الاستفادة مما خلق الله وسخره للبشر، وقد تساءلت الآية عن الذي حرم زينة الله والطيبات من الرزق، في قوله تعالى: ﴿قل من حرم زينه الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق﴾ لأنه في حقيقة الأمر إفتراء على الله سبحانه وتعالى ومخالفة لمصالح البشر، فمتى حرم الله سبحانه وتعالى هذه البحيرة وتلك السائبة وهذه الوصيلة وذلك الحام؟ ﴿ءآلله اذن لكم أم على الله تفترون﴾.
الثانية: إن قوانين أهل الأرض التي حرمت أشياء أحلها الله سبحانه وتعالى هي في الحقيقة تقيد الانسان وتمنعه من إحياء الأرض التي هي لله ولمن عمرها ـ سواءٌ كانت حِمىً مثلاً كما عند العرب حيث كانوا يمتنعون من الاستفادة منها أو إقطاعيات كما كان عند الأوروبيين ـ بعكس الإسلام الذي فتح المجال أمام الجميع وقال بأن الارض لله ولمن عمرها، وحينما نريد أن نعرف في جانب من يقف العقل من هذين التوجهين فإننا نصل إلى أن العقل يقف جنباً إلى جنب مع الطرف الاسلامي الذي يرفض القوانين الوضعية والاغلال والآصار التي وضعها المستكبرون.