الأستاذ السيد المدرسي

التفسير

39/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: سورة الأنبياء الدرس السادس عشر

عنوان الدرس: الإدعاءات الباطلة وعاقبتها

﴿ وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمينَ (29) أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‌ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ (30) وَ جَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَميدَ بِهِمْ وَ جَعَلْنا فيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَ هُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (32)﴾

كل إنسانٍ مجزيٌ بعمله، ولكن هل كل الناس مجزيون بأعمالهم بصورة متساوية أم هناك تفاوت في النتائج؟

قيل أن "خطأ الشاطر بألف" فليس سواء أن يخطئ قائد طائرة فيستعمل ما يزيل عقله وشخص في الشارع يقوم بنفس العمل، إذ الأول يعاقب ويطرد من وظيفته بينما الثاني لا شيء عليه، لأن الأول تتعلق حياة المئات من الناس به دون الثاني.

فحين يكون الإنسان في مقامٍ مرموق تكون خطايا محسوبة بصورة أدق، كما أن حسناته ستكون أثمن، فالعالم الرباني النائم خيرٌ من العابد القائم والمجاهد المقاتل في سوح الجهاد، والحاكم العادل ساعةٌ واحدة من حكمه تعدل عبادة العباد لعدل الثاني وكون الأول عالماً ربانياً يسعى لهداية الناس.

فالأعمال يجازى عليها الإنسان، ولكن بالتناسب مع مقام العامل، ف:"يُغْفَرُ لِلْجَاهِلِ سَبْعُونَ ذَنْباً قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لِلْعَالِمِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ"[1] ، كما قال الإمام الصادق عليه السلام.

ومن هنا لو فرض إدعاء ملكٍ من الملائكة مع أوتي من قوة الربوبية أو إدعى نبيٌ من الأنبياء ذلك، فالجزاء ليس غير الرمي في جهنم، إذ ليس في نظام الرب سبحانه فسادٌ أو محسوبية يتساهل فيها مع المقربين إن أخطأوا وعصوا ربهم:

﴿ وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ ﴾

دعوى كون النبي طريق ووسيلة إلى الله سبحانه شيءٌ، ودعوى الربوبية شيءٌ آخر، فالأنبياء والأوصياء كانوا يقولون أنهم حجج الله، لا أنهم آلهة من دون الله، لأن من يدعي أنه إله فيستحق جهنم:

﴿فَذلِكَ نَجْزيهِ جَهَنَّمَ﴾

لفظة" ذلك" إشارة على البعيد، وفيها دلالتان: الأولى أن هذه الدعوى بعيدةٌ عن الأنبياء والملائكة لمقامهم، والثانية: من يدعي هذه الدعوى يكون بعيداً عن رحمة الله سبحانه، ولكن لماذا الجزاء بجهنم؟

لأنه ظالمٌ:

﴿كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمينَ (29)﴾

التعابير القرآنية في نهايات الآيات قد ترد لبيان العلة، ولأنها كذلك فهي تعم كل من إتصف بذات الصفة، فكل ظالمٍ يستحق جهنم، كما أن كل محسنٍ يجازى بإحسانه في مثل قوله سبحانه: ﴿وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنين‌﴾[2] فالمورد لا يخصص.

فمتى ما إتصف الشخص بالظلم يستحق هذا الجزاء وإن كان من قبل عابداً – كبلعم باعورا- أو من أصحاب الأنبياء – كقارون الذي بغى على النبي أو زبير بن العوام الذي إصطف ضد خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله-، فلا يغرنّ أحدٌ تقواه وتدعوه نفسه لإرتكاب الأخطاء، بل لابد أن تكون التقوى مدعاةً للمزيد من الإلتزام، لأن خطأ المقرّب أخطر، فبعض الناس يقع في أخطاء كبيرة إعتماداً على تاريخه الحافل بالعمل الصالح أو وجاهته في المجتمع أو غير ذلك.

وقد يعتمد الإنسان على هذه الأمور في دعاواه الباطلة، غافلاً عن أن كل هذه إنما هي نعم الله سبحانه عنده، فبدل أن يشكر النعمة يجعله وسيلةً للطغيان، فيعتمد عليها من دون الله ويقع في شرك الشرك.

قدرة الله

بعد بيان عقوبة من يدعي الألوهية من دون الله، يذكّر السياق القرآني بأن المشركين سواءاً من يتكبر على الله سبحانه، أو من يشرك بالله غيره، ليس لديهم مثل عمل الله سبحانه، فحين يحدثنا الله عن المشركين يذكرناً بقدرته وآياته العظيمة، ومن هنا فحين يذكر المؤمن ربه يوجل قلبه ويهتز لذكر الله سبحانه.

﴿أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‌ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ (30)﴾

قبل أن نورد الإحتمالات التي أوردها المفسرون في تفسير هذه الآية نكتفي ببيان نقطة منهجية هامة، لو هدانا الله إليها إستفدنا منها في حياتنا كثيراً، وهي أن حكم الأشباه فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد، بمعنى أن عود ثقابٍ التي تحرق ورقة صغيرة ينطبق عليها ذات القوانين المنطبقة على القنبلة التي تحرق غابةً كاملة، غاية الأمر الإختلاف في المقياس.

ونستفيد ذات الحقيقة من القرآن الكريم، كيف؟

حين يحدثنا القرآن الكريم عن الأرض التي أصابها الجفاف ثم هطل عليها الغيث من السماء، فتدخل قطرات الماء في الأرض التي يعجز الإنسان عن إثارتها إلا بشق الأنفس، فتثيرها قطرات الماء وصولاً إلى البذرة فتكون النباتات المختلفة، فالسماء كانت رتقاً ( مغلقة) فصارت فتقاً ( مفتوحة) بالغيث والأرض كانت مصمدة ( رتق) ففقت بقطر الماء.

أقول: حين يحدثنا القرآن عن ذلك، فإن نفس السنة الإلهية والقدرة الربانية، تنطبق على كل المجرات والكواكب والمخلوقات، ومن هنا؛ ما قاله بعض المفسرين من أن الآية تتحدث عن المطر، وقال آخرون أنها تدل على الإنفجار العظيم، فكلاهما صحيحٌ، لأن القدرة هي ذاتها والمعطيات ذاتها، بالرغم من إختلاف المقياس.

وهكذا حين يعاقب الله سبحانه شخصاً لظلمه، فهو يعاقب أمةً كاملةً إن إتصفت بالظلم أيضاً.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 


[1] الکافی-ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج1، ص47.
[2] يوسف/السورة12، الآية22.