الأستاذ السيد المدرسي

التفسير

39/06/29

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: سورة الأنبياء الدرس الثالث عشر

{ لَوْ كانَ فيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَ ذِكْرُ مَنْ قَبْلي‌ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) }

 

حين يؤمر شخصٌ بدخول بابٍ معين، فقد يخالف الأمر فيتسور الجدار بدل الدخول من الباب، وقد يخالف بالتشبث بالباب دون الولوج فيها، والصحيح هو أن يطيع الأمر بدخول الباب دون الوقوف عندها فيذهب منها إلى حيث يريد.

هكذا هم البشر فيما يرتبط بأولياء الله سبحانه الذين جعلهم الباري أبواب رحمته والوسائل إليه، حيث أمروا بأن يتخذوها وسائل إلى ربهم، كما جعل النبي صلى الله عليه وآله وصيه علياً عليه السلام باباً لمدينة علمه وحكمته، فالمفترض هو المجيء إلى أمير المؤمنين ومنه إلى مدينة العلم، هذا هو المفترض عليهم ولكن بعضهم يأبى الخضوع للأونبياء والأولياء، فيتسور باب الله ظناً منه أنه سيصل، كما ذلك دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله معترضاً على تنصيبه علياً ولياً للمؤمنين، حيث روي أنه خاطب النبي قائلاً: "يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا أَنْ نَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَبِلْنَا مِنْكَ ذَلِكَ وَ أَنَّكَ أَمَرْتَنَا أَنْ نُصَلِّيَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَ اللَّيْلَةِ وَ نَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَ نُزَكِّيَ أَمْوَالَنَا وَ نَحُجَّ الْبَيْتَ فَقَبِلْنَا مِنْكَ ذَلِكَ ثُمَّ لَمْ تَرْضَ بِهَذَا حَتَّى رَفَعْتَ بِضَبْعَيِ ابْنِ عَمِّكَ فَفَضَّلْتَهُ عَلَى النَّاسِ وَ قُلْتَ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ فَهَذَا شَيْ‌ءٌ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ قَدِ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَ اللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّهُ مِنَ اللَّهِ وَ لَيْسَ مِنِّي قَالَهَا ثَلَاثاً فَقَامَ الْحَارِثُ وَ هُوَ يَقُولُ- اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ‌ وَ فِي رِوَايَةٍ إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقّاً فَأَرْسِلْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا بَلَغَ بَابَ الْمَسْجِدِ حَتَّى رَمَاهُ اللَّهُ بِحَجَرٍ مِنَ السَّمَاءِ فَوَقَعَ عَلَى‌ هَامَتِهِ فَخَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ فَمَاتَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ الْآيَةَ"[1] .

وفي مقابل هؤلاء، صنفٌ إبتلوا بمشكلة أخرى وهي التوقف عند الباب دون الدخول، وبعبارة أخرى الغلو في الأولياء، وهو ما جعل اليهود يقولون أن عزيراً إبن الله وجعل النصارى يقولوا المسيح إبن الله ، وجعل غيرهم يغلون في الأنبياء والصالحين، وجعل أكثر المؤمنين بالديانات الإلهية يشركون من حيث لا يشعرون.

والقرآن الكريم يبين النمرقة الوسطى، ففي الوقت الذي يجب أن نعرف مقاما الأنبياء والأولياء والملائكة ونعترف بمقاماتهم، في ذات الوقت ينبغي أن لا نتوقف عندهم، بل نجعلهم وسائل إلى الله سبحانه، ومن نعم الله على البشر بل أعظم منة منه عليهم بأن جعل منهم أنبياء وأولياء يتوسلوا بهم إلى الله سبحانه ليغفر لهم، قال الله سبحانه: ﴿وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحيما﴾[2] .

عدم المعرفة من جذور الشرك

والبصيرة الثانية التي نستفيدها من سياق هذه الآيات، أن للشرك جذورٌ ومنها عدم معرفة الله سبحانه، فمن يعتبر عيسى إلهاً فإنه لم يعرف الله سبحانه المودعة أسمائه كل مكان والمتجلية آياته في كل شيء، فلعدم معرفة البشر بربه تراه يقيس خالقه بخلقه، وإذا أراد الإنسان أن يتخلص من شوائب الشرك عليه أن يزداد توجهاً إلى الله ومعرفةً به بالنظر إلى آياته سبحانه والتأمل في أسمائه الحسنة والتضرع إليه في أن يتم له نوره.

الجهل سبب الإختلاف

من المشاكل المعرفية لدى البشرى تكمن في كثرة الإجابات والنظريات، والحال أن الحق واحدٌ، فلو سكت الجاهل لما اختلف الناس – كما قيل- لأن الإجابة الواحدة قد توصل الإنسان إلى هدفه بينما كثرة الأجابات المتناقضة ستخفي عليه الصواب.

ومشكلة الكافرين أنهم حيث جهلوا الحقيقة لم يسألوا أهل العلم، ولم يسكتوا أيضاً، بل راحوا ينسجون النظريات ويحوكونها دونما برهان، وهكذا الفلاسفة حين عجزوا عن فهم كيفية الخلق راحوا يقولون بالفيض، وإن سئل هؤلاء واولئك عن سبب تبنيهم لهذه الأفكار لأجابوا لأنهم لا يعلمون الحقيقة، والحال أن الجهل لا يبرر التخريص والرجم بالغيب، والجهل لا ينتج علماً بل العلم هو الذي يأتي بالعلم.

 

المسؤولية للجميع

قد يكون الإنسان عاجزاً وقد يكون قادراً، ولكنه يبقى مسؤولاً وإن كان عاجزاً، نعم تبقى مسؤوليته بحسبه، فالكل مسؤول عن فعله وعن مواقفه وعن اقواله، سوى الله سبحانه، وهذا أعظم دليل على أنه سبحانه هو الخالق الصانع الذي لا يسئل عن فعله، فهو يفعل ما يشاء.

﴿ لَوْ كانَ فيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)﴾

تعني عبارة " سبحان الله عما يصفون" أن الكافرين بسبب جهلهم بالله وعدم معرفته وصفوه بهذه الصفات، والحال أن الإنسان قد منع من تكلف ما لا يقدر عقله أن يتحمله ويدركه، كما يمنع من أن يحمل حملاً أثقل من قدرة بدنه.

ومشكلة البشر أنه يريد التأسيس على جهله بدل الإعتراف به وطلب الهدى.

ثم يبين ربنا سبحانه صفة السبوح قائلاً:

﴿لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ (23)﴾

نحن – البشر- محكومون بقوانين كثيرة، بدءاً من الجاذبية والنور وما يجري في داخلنا وحولنا، ولكن لا قانون يحكم الله سبحانه لأنه هو خالق القانون وخالق كل شيء ، فهو يرزق من يشاء بغير حساب لأن الحسابات لا تحكم أمره، وينصر من يشاء كيف يشاء.

﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ﴾

إتخذوا من دون الله سبحانه آلهة ليكونوا شفعاء إليه – بزعمهم-، فيخاطبهم الرب سبحانه:

﴿قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ﴾

فمجرد الإدعاء لا يكفي، بل لابد من البرهان لإثبات الدعوى، ولكن البشر أشركوا بالله بإتخاذ آلهة من دونه دون أن يكون لديهم حتى دليلاً على ما يفعلون.


[1] العدد القوية، علي بن يوسف الحلي، ج1، ص185.
[2] النساء/السورة4، الآية64.