39/06/25
موضوع: سورة الأنبياء/الارتباط بالله بين المؤمن والمشرك
﴿ أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كانَ فيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ (23)﴾ ﴿ لَوْ كانَ فيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)﴾هناك تناقضٌ بين بصيرة الموحدين بربهم والمشركين، وهو في نوع العلاقة بينه وبين كل شيء، فعلاقة المؤمن بالله هي محور علاقته بخلق الله، ملائكته ورسله وسائر البشر وكذا سائر المخلوقات، حيث تسودها الإيجابية، وهي في النهاية تحقق الهدف الرئيس للخلق وهو التكامل، إذ بالنظر إلى خلق الله سبحانه تجده يكمّل بعضه بعضاً، فالشمس بشروقها تسهم في تبخير مياه البحار والسحب تحملها، وجاذبية الأرض تساهم في حركتها، الجبال الراسيات وطريقة نصبها هي الأخرى تسهم في موضع هطول المطر، والأرض حين تستقبل مياه الأمطار تتكامل مع أشعة الشمس وهكذا سائر المخلوقات تسهم في هذه الدورة العظيمة.
وهكذا ما من شيء في إطار المنظومة الشمسية التي ننتمي إليها أو خارجها، إلا وهو يؤثر بغيره ويتأثر به، وهو ما يعبّر عنه الفيزيائيون حديثاً بنظرية " جناح الفراشة".
ومن هنا؛ تجد المؤمن تسود علاقته بربه علاقة الحاجة والعبادة والطاعة، وعلاقته بملائكة الله بإعتبارهم حملة أمر الله تشريعاً وتكويناً، وبمخلوقات الله بإعتبارهم آيات الله سبحانه، كلها تكون علاقات إيجابية، ومن ثم فعلاقته بالبشر هي الأخرى إيجابية بإعتبارهم خلق الله سبحانه، وما أروعها من كلمةٍ أطلقها أمير المؤمنين عليه السلام في عهده إلى مالك الأشتر حيث قال:"فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْق"[1] وسياق هذه الكلمة جاء في ضمن وصيته عليه السلام بعدم إيذاء أحدٍ من البشر، وليس ببعيدٍ من أمير المؤمنين عليه السلام هذا الخطاب عن البشر لأنه يأبى أن يظلم النملة في رزقها حيث قال: "وَ اللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا وَ اسْتُرِقَّ قُطَّانُهَا مُذْعِنَةً بِأَمْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا شَعِيرَةً فَأَلُوكَهَا مَا قَبِلْتُ وَ لَا أَرَدْت"[2] .
وقد خاطب القرآن الكريم البشرية جمعاء بقوله سبحانه: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبير﴾[3] فهناك إطاران: إطار الأكرم وهو بسبب التفاضل في درجات التقوى، والإطار الثاني هو الإطار العام الذي يشمل الجميع، وقريبٌ من الآية قول النبي صلى الله عليه وآله: "النَّاسُ سَوَاءٌ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ"[4] .
والمؤمن يريد للكافر أن يهتدي ونعم من أجل هدايته، فلو كان المؤمن عنصرياً لما سعى أبداً في دعوة الكافرين إلى الهدى والصلاح أبداً.
ولكن مع شديد الأسف أن هذه الكلمات والتوصيات كلها ألغيت في عصر حكم بني أمية حيث ساد الناس الكراهية والعداء، بعيداً عن قيم الدين في التعامل والتعاون والتواصي بين الناس بعضهم البعض، إذ سعى حكام بني أمية لإلغاء الرحمة من قاموس الدين، تبعاً لأسلافهم الجاهليين الذين قالوا – كما حكى القرآن الكريم عنهم- : ﴿وَ إِذا قيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَ مَا الرَّحْمن﴾[5]
وهذه هي النظرية المعاكسة تماماً للنظرية التوحيدية، منذ عهد أفلاطون والسبراطه وغيرهم وهي التي تجعل البشر في مقابل البشر، والبشر في مقابل الطبيعة، حتى أعدم الإنسان بأسلحته أنواعاً كثيرة من الأحياء كما أعدم الملائيين من بني جنسه، كل ذلك لأنهم ينظرون إلى الطبيعة نظرةً سلبيةً ويعيشون حالةً نفسية لإعدام الأشياء ولتدمير الطبيعة.
بل وصل الأمر بالإنسان أنه يتنافس مع الآخر في صنع أسلحة التدمير الشاملة، ويصرفون في سبيل ذلك مليارات الدولارات دون أن يهتم بالجائعين من البشر الذين بلغوا المليار، والذين يمكن إشباعهم بإستخدام التقنيات الحديثة.
فحين ترك الناس التوحيد وإتجهوا إلى عبادة المادة صار يقتل بعضهم بعضاً، فلا ترى في كلماتهم وأدبياتهم موضعاً للرحمة والتعاطف، وهذا من آثار الشرك بالله سبحانه وتعالى السلوكية.
ومن هنا فإن قول الله سبحانه : ﴿لَوْ كانَ فيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا﴾ له آثار مرتبطة بالسلوك والرؤية والإتجاه العام للإنسان، وتوحيد الله سبحانه يحملنا إلى حيث المحبة والألفة.
﴿فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) ﴾﴿لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ (23) ﴾وإن سئلوا عما فعلوا من أخطاء فاحشة وإنحرفات، لمنّوا أنفسهم بشفاعة الشافعين، نعم؛ الشفعاء يشفعون ولكن لا يشفعون إلا لمن إرتضى الله، إذ هناك شرطان للشفاعة أولاهما إذن الله بشفاعة الشافع وثانيتهما أن يرتضي الله لمن يشفع له.