الأستاذ السيد المدرسي

التفسير

39/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: سورة الأنبياء/دور الانبياء في بناء المجتمعات السليمه

 

﴿وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ ما كانُوا خالِدينَ (8) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَ مَنْ نَشاءُ وَ أَهْلَكْنَا الْمُسْرِفينَ (9) لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فيهِ ذِكْرُكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (10) وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَ أَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرينَ (11) ﴾

هناك صراطٌ مستقيم يتوسط فكرتين منحرفتين يجب علينا أن نلتمسه ونسلكه دون أن ننحرف عنه نحو اليمين أو الشمال، فبعض الناس غالوا في الأنبياء والائمة عليهم السلام، والغلو نتيجة جهل الإنسان وعدم إهتمامه بالمقاييس الدقيقة في الحياة، بل وكل من يفرطِ أو يفرّط فهو جاهل بها، فالذي يأكل أزيد أو أقل من حاجته فهو جاهلٌ بحاجته، وكذا التبذير والبخل، وفي مقابل الغلو كان الكفر بالأنبياء والضلال عنهم، وهو الآخر إنحرافٌ عظيم.

أما السبيل الوسط والصحيح فهو الإعتقاد بالأنبياء بأنهم كرامٌ عظام، وهم قدواتٌ يهتدى بهداهم، لأنهم قمة البشرية بل قمة الخلق، ولكن كل ذلك بأمر الله سبحانه، ومن خلال إرتباطهم بالله، وكما الأنبياء الائمة عليهم السلام، فحين يقرأ المؤمن زيارة الجامعة لهم يجد فيها أمثل الأوصاف لهم عليهم السلام ولكنها جميعاً مقرونة بإسم الله سبحانه، فليس ثمة مديحٌ لهم كما في زيارة الجامعة، كما أنها ملئى بذكر الله تعالى.

فلم يرسل الله الأنبياء كملائكة يمتلكون قوىً خارقة لتستقطب قواهم وجمالهم الناس، فيشركون بالله بسببهم، ولذلك قال سبحانه: ﴿ و ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ﴾ فلو كان النبي لا يأكل أو لا يموت لعبد من دون الله، ولذا صارت الحالات البشرية تنتابه، فحتى المصائب التي وردت على أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وعليهم، هي في ذات الإطار، فلولاها لكانت نزعة الشرك في البشر تنحو نحو الغلو بالنسبة إليهم عليهم السلام، فبالرغم من تأكيد النصوص وتأكيد الأنبياء والائمة أنفسهم بأنهم بشر إلا أن بعضاً من الناس غالوا فيهم، فكيف لو كانوا خالدين.

ومن جهة أخرى كانت علاقة الأنبياء بربهم وثيقة، وما حدث لهم من إنتصارات باهرة لم يكن بسبب فعلهم فقط، بل بإرادة الله سبحانه، فالله هو الذي ينصر عباده ويؤيدهم بملائكته، وكما قال أمير المؤمنين عليه السلام : " وَ اعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَه‌"[1] ، قال الله سبحانه: ﴿ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَ مَنْ نَشاءُ﴾.

وقوله سبحانه أنجيناهم، يدل على مواجهتهم لمشاكل هددت حياتهم حتى أنجاهم الله، هم ومن إتبعهم من المؤمنين، كما أنقذ الله إبراهيم من نار نمرود المتسعرة، وهود وأصحابه من الأعاصير العاتية وغيرهم من الأنبياء واتباعهم.

﴿وَ أَهْلَكْنَا الْمُسْرِفينَ (9)﴾

الحديث عن الإسراف ورد في هذه الآية مرة ببيان عاقبتهم المتمثلة بالهلاك، ومرة أخرى في الآية الثالثة عشر حيث الحديث عن عاقبة المترفين، ومعرفة حقيقة الإسراف وكيفية إجتنابه أمرٌ، و ينتج الإسراف ثلاثة نتائج:

الأولى: لمحدودية وعاء الإنسان فإن الإسراف يضر به، كما الذي يأكل أكثر من حاجته فيصاب بمختلف الأمراض والأوجاع.

الثانية: ما يأكله المسرف فإنما يأكله – غالباً- من رزق الآخرين، وكما في الحكمة: ما رأيت نعمةً موفورة إلا وبجانبها حقٌ مضيع.

الثالثة: من يفرط في مكان يفرّط في مكانٍ آخر، فمن يسرف في جانبٍ من جوانب حياته سيصاب بخلل في توازن حياته.

ومن هنا يحدثنا القرآن عن عاقبة الإسراف في أكثر من موضع الذي كان هلاك المسرفين، الذي كان نتيجة كفر الإنسان.

﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فيهِ ذِكْرُكُمْ﴾

بإمكانك أيها الإنسان أن تكتشف خارطة الطريق من خلال كتاب ربك الذي منّ به عليك وعلى الناس، وأمر سائر الشعوب أن يأخذوا به، فـ " ذكركم" يعني أمرين أساسيين:

الأول: أن تتذكروا به.

الثاني: يذكركم الناس به، فإلى اليوم العرب موضع إحترام بسبب القرآن.

وقد قيل بأن ( ذكركم) يعني القرآن ، وقيل المقصود منه النبي، وقيل معناه تذكركم، وقيل يعني شرفكم ، وكل ذلك صحيح وهو نتيجة القرآن العزيز.

﴿أَ فَلا تَعْقِلُونَ﴾

بالرغم من ان الله أنزل القرآن وحملته الملائكة إلى قلب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ، وبلّغه النبي بأحسن وجه، إلا أن الناس لا يقرأونه أو يقرأونه هذرمة، وهذا منتهى السخف، كما المريض الذي يصف له الطبيب الدواء ويشتري له أهله ذلك ثم لا يستعمل الدواء.


[1] نهج البلاغة، ط-دار الكتاب اللبناني، السيد الرضي، ص55.