الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/07/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مباني المضاربة / خاتمة كتاب المضاربة

 

ذكرنا موجزاً بعض المباني التي إعتمدت في باب المضاربة، ونذكر اليوم البعض الآخر:

1/ كلما توقفنا في شرطٍ من شروط المضاربة (كإعتبار كونها في النقدين، أو إشتراط كونها في التجارة فقط) فعلينا أولاً النصوص الخاصة في باب المضاربة – وهي قليلة- فإن لم نجد الجواب، إتجهنا إلى النصوص العامة في شرعية العقود مثل آية الوفاء بالعقود والتجارة عن تراض، وإن لم نجد في النصوص العامة للعقود الحكم، نرجع إلى الأصول العقلية والدينية العامة مثل أصل العدل في قوله سبحانه: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾[1] ، أو قوله سبحانه: ﴿وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطين‌﴾[2] ، وبتعبير آخر نرجع إلى العقل المهذب بنصوص الوحي، إذ ليس هناك أصل عقلي إلا وله أصلٌ في النصوص الشرعية، وحيث كان كذلك فإن البحث الطويل عن الأحكام العقلية يبدو أنه بحثٌ ترفي.

2/ إذا تم توافق الطرفين على أمور معينة، كأن تكون المضربة في شهرٍ معين، أو نوعٍ معين، فإن وجدنا في الشرع سعةً لإتفاقهما أمضيناه، ثم نرجع ثانياً إلى العرف، فإن كان له حكمٌ واعتمده المتعاقدان حكم به، لا إذا لم يعتمداه، لأن حجيته تكون بالإعتماد عليه، وبعد ذلك يرجع إلى النصوص الخاصة في المضاربة أو العامة في العقود، وربما بشمول النصوص العامة لصورةٍ من صور الإتفاق خرجت المعاملة من إطار المضاربة ولكنها دخلت في إطار عقدٍ آخر كالجعالة والصلح، أو عقدٍ جديد.

ويبدو أن من قال من الفقهاء بأن العقود المستحدثة التي لا تتنافى مع أصول الشريعة ويتفق عليها عرف الناس صحيحة، أعطى لنا كدعاة إلى الإسلام فرصة كبيرة للدعوة إلى الإسلام وأن الإسلام يسبق غيره في مختلف مجالات الحياة.

3/ الربح عقلاً وعرفاً وشرعاً حصيلة مال المال وجهد العامل، العرف والعقل بعد الدقة يستطيعان تشخيص نسبة حصة العمل في الربح ونسبة ربح المال، ومن هنا فبالإمكان أن يتم تشخيص نسبة العامل في جهده القليل الذي حقق به ربحاً، فبمجرد تحقق الربح يملك العامل حصته والمالك حصته، لا كما ذهب إليه البعض بأن الربح للمال فقط كالنماء، وما يحصل عليه العامل إنما يحصل عليه بعد رجوع الربح إلى المالك وخروجه منه إلى العامل.

4/ هناك حدودٌ ثلاثة لكل عقد:

الأول: حد الشرع؛ فقد سبق وأن قلنا للشرع حدود للعقود، وهذا لا يخص بالشرع الإسلامي، بل كل مشرّع للقوانين في العالم يضع للعقود حدود، لأن المعاملات لا تخص الطرفين فقط، بل بالمجتمع أيضاً وإقتصاده.

الثاني: حد العرف؛ فله حدودٌ يحدها لإعتماد الناس عليه في المعاملات دون أن يفصّلوا في بيان الشروط والمتعلقات في كل عقدٍ بينهم.

الثالث: الأحكام الولائية، وهي التي تشبه اللوائح القانونية في القوانين الحديثة، حيث تعني أحكام مستخرجة من الثوابت، كما لو أفتى الفقيه بحكمٍ ليس فيه نصٌ خاص ولكن فيه مصلحة للعباد، مثل فتوى الجهاد ضد التكفيريين، أو فتوى حرمة التبغ، وهذه الفتاوى من باب ولايتهم للمجتمع.

ولعل كلمة الإجماع عند البعض تدل على هذا النوع من الأحكام، فلا يعني دوماً إتفاق الجميع، كما ذكر العلامة في المعتبر هذا المعنى.

5/ كان عقد المضاربة عقدٌ جائزٌ بين الناس حين كان مجرد صفقة بين شخصين، ولكن البعض رأى أن المضاربة المعتمدة على قرار أحد الطرفين لا تؤدي الغرض – وهو الإسترباح- ومن هنا قال البعض بأنها قد تكون لازمة بشرطٍ فيها أو بشرطٍ في عقدٍ لازمٍ آخر، أو قال البعض أن الأصل فيها اللزوم، ونحن نرى: أن المضاربة عقدٌ يعتمد على إتفاق الطرفين جوازاً ولزوماً.

6/ يستمر عقد المضاربة حتى إنتهاء المعاملة – كالصفقة المعينة- أو عند إنتهاء المدة – كما هي العادة- أو بموت أحد الطرفين[3] أو خروجه من الأهلية، وكل ذلك يعتمد على التوافق بين الطرفين.

أما إبطال المعاملة في بعض الصور فمحل تأمل، إذ الحكم ببطلان العمل – عبادي أو معاملي- بحاجة إلى دليل، فالإبطال بمجرد الشك بدون دليل مشكلٌ والله العالم.


[1] المائدة/السورة5، الآية8.
[2] الحجرات/السورة49، الآية9.
[3] لا يخفى أن السيد الأستاذ قد فصّل في موت أحد طرفي المضاربة وقال بإستمرار المضاربة في بعض الصور فراجع. [المقرر].