الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/07/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المسألة 19 و 20 / الملحقات

 

"الظاهر صحة المضاربة على مائة دينار مثلا كليا‌فلا يشترط كون مال المضاربة عينا شخصية فيجوز إيقاعهما العقد على كلي ثمَّ تعيينه في فرد و القول بالمنع لأن القدر المتيقن العين الخارجي من النقدين ضعيف "[1] .

 

من أخريات المسائل التي يبينها صاحب العروة قدس سره في المسائل الملحقة، هل يجوز أن يقول الشخص لآخر ضاربتك على مائة دينار، دون أن يكون المال محدداً خارجاً، سواء كان على نحو الكلي في المعين أو مطلقاً؟

أجاب السيد قدس سره بعدم الإشكال في الأمر مادامت المائة محددة وقد بنيت المضاربة عليها، ولكن أشكل البعض –كالمرجع الحكيم قدس سره- على الكلي غير المعين، بأن قال له مائة دينار، دون أن يحدد كونها في الذمة أو معينة، حيث سيكون حينئذٍ مالٌ بلا تعيين، كما قالوا في المال المردد بعدم الصحة لعدم وجود الفرد المردد.

ولكن من وافق السيد اليزدي قدس سره أجاب عن الإشكال بأن المبلغ سيؤول إلى ذمة المالك في النهاية وفي عهدته، فالمضاربة كأي عقدٍ آخر تعهدٌ وإلتزام بين شخصين، فحين يقول مائة دينار، فهو يعني كونها في عهدته وذمته.

قال السيد قدس سره: "الظاهر صحة المضاربة على مائة دينار مثلا كليا‌فلا يشترط كون مال المضاربة عينا شخصية فيجوز إيقاعهما العقد على كلي ثمَّ تعيينه في فرد و القول بالمنع لأن القدر المتيقن العين الخارجي من النقدين ضعيف "[2] .

وذلك لأن الدليل اللفظي فيه إطلاقٌ وعمومٌ يتمسك به، خلافاً للدليل اللبي الذي يتمسك فيه بالقدر المتقين، وبعبارة أخرى لا قدر متيقن في الأدلة اللفظية مثل آية الوفاء بالعقود أو التجارة عن تراض.

وبالرغم من أن قول السيد قدس سره متينٌ، إلا أنه قد يرد عليه بعض الإشكالات أحياناً، ولذلك نحن نقول: كل عقدٍ لم ينه عنه الشرع ولم يحدده بحدود فهو عقدٌ صحيح، ولا فرق حينئذٍ في ما نسميه، ثم قال السيد: "وأضعف منه احتمال المنع حتى في الكلي في المعين (والكلي نوعان: المطلق أو الكلي في المعين) إذ يكفي في الصحة العمومات‌"[3] .

 

المضاربة مع تقسيط رأس المال

إذا ضاربه على ألف دينارٍ ولكن لم يعطه سوى خمسمائة، وبعد فترة أعطاه الخمسمائة الثانية، فهنا المضاربة تكون على الألف، ويحسب الربح والخسران من الألف، فإذا تاجر في الخمسمائة أولاً فربح أو خسر فيها ثم تاجر في الثانية، فلابد أن يحتسب الربح والخسران من الجميع، قال السيد اليزدي قدس سره: "لو ضاربه على ألف مثلا فدفع إليه نصفه فعامل به ثمَّ دفع إليه النصف الآخر‌فالظاهر جبران خسارة أحدهما بربح الآخر لأنه مضاربة واحدة و أما لو ضاربه على خمسمائة فدفعها إليه و عامل بها و في أثناء التجارة زاده و دفع خمسمائة أخرى فالظاهر عدم جبر خسارة إحداهما بربح الأخرى لأنهما في قوة مضاربتين نعم بعد المزج و التجارة بالمجموع يكونان واحدة‌"[4] .

 

الأرباح المتراكمة

بقيت مسألةٌ أخيرة لم يتعرض لها الفقهاء في كتبهم بحسب التتبع، ولكنها مطروحة اليوم، ترتبط بالأرباح المتراكمة، فلو كان رأس المال خمسمائة فربح العامل ألفاً، فحصته من الربح ستكون النصف – مثلاً- وإذا أعادها إلى العمل فإن ربحها سيكون ملكه وهكذا تتراكم الأرباح، وربما صارت الأرباح أزيد من رأس المال، فهل تحتسب أرباح الربح حينئذ؟

في رأينا أن هذا الأمر يخضع إلى الإتفاق أيضاً، وظاهراً يجب أن تكون الأرباح المتراكمة محسوبة في باب الخسارة[5] إنطلاقاً من قوله سبحانه: ﴿وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُم﴾[6] .

 

مباني المضاربة

1/ بما أن المضاربة عقد فلابد أن تتحدد بحدود سائر العقود، فلابد أن يتمتع المتعاقدين فيها بأهلية التصرف، وهي تشمل العقل والرشد وعدم الحجر وعدم الإكرام.

2/ وبما أن كل عقد يخضع لأحكام الشرع في إطار المجتمع الإسلامي، فللعقد جانبان، والمال ككل له جانبان شخصيٌ يتصرف فيه صاحبه وآخر إجتماعي، حيث عبّر القرآن الكريم عن أموال السفهاء أنها أموال المجتمع حيث قال سبحانه: ﴿وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتي‌ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياما﴾[7] ، وكذا العقود يبنغي أن تخضع للقوانين لما لها إرتباط بالجوانب الإجتماعية، ومن هنا، لا يصح التعاقد على المحرمات ولا على ما يضر أمن البلاد والعباد، وكذا في بعض البضائع المهربة التي تضر بإقتصاد البلد.

3/ والعقد الربوي حرام، وهناك صور من المضاربة تؤدي إلى الربا أو شبهة الربا وهذا لا يجوز، وكذا لا يصح العقد الغرري إنطلاقاً من النبوي المعتمد من الفقهاء والمعتضد بآية الدين، ولما قد يؤديه العقد الغرري من النزاع والخصام.

4/ العقد إنما هو من طرفين، فلا يجوز أن يعاقد الإنسان نفسه، بإعتبار أن ظاهر كلمة العقد كونه من الطرفين، نعم يمكن أن يكون الشخص أصيلاً من جهة ووكيلاً من جهة أخرى.

5/ بما أن المضاربة عقد يتميز عن العقود المشابهة له كالقرض والجعالة، وبما أن للناس أعرافاً خاصة في العقود المختلفة فإن على الطرفين إعتماد العرف أو شروطهما الخاصة، فإذا إعتمدا العرف عليهما الإلتزام بما يقتضيه.

6/ حقيقة المضاربة تكامل الثروة والجهد البشري، وهي مفيدة لتنمية المجتمع إقتصادياً، كما أنها تسهم في التعاون على البر والتقوى، وإبتغاء فضل الله وتسخير ما في الأرض، وهذه القيم التي تنتهي إليها المضاربة، ومن هنا فإن أي نوعٍ يرتضيه الطرفان لبلوغ هذه الأهداف، يكون شرعياً في حدودا الأحكام التي سبق الإشارة إليها.

 


[1] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص267.
[2] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص267.
[3] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص269.
[4] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص269.
[5] لعل عدم تعرض الفقهاء لمثل هذه المسألة يرجع إلى كون المضاربات كانت تنتهي بالمعاملة فلا تتراكم الأرباح وكيف كان فإن العرف يحكم بكون المضاربات المتعددة بمثابة المضاربة الواحدة ولذا قال الفقهاء بجبران خسارة اللاحقة من ارباح السابقة والعكس كما لا يخفى. [المقرر].
[6] الشعراء/السورة26، الآية183.
[7] النساء/السورة4، الآية5.