الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/07/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مخالفة الشرط وفساد المضاربة / الملحقات

 

إن فسدت المضاربة لتخلق شرط من الشروط، كما لو قال المالك للعامل تاجر في العراق فتاجر خارجه أو إشترط أن يتاجر نقداً فتاجر نسيئةً أو شبهه، فما هو مصير المضاربة؟

قال المشهور – كما يبدو من كلماتهم - بأن جميع صفقات العامل تصبح فضولية، فلا تصح إلا بإجازة المالك، وربما يكون العامل قد دخل في عشرات الصفقات بصورة متسلسلة، ويبدو أن مبنى الفقهاء في ذلك أنهم عدّوا المضاربة صنفٌ من أصناف الوكالة، فكما أن الوكيل تصبح صفقاته فضولية بمخالفة شروط الموكل كذلك العامل.

إلا أن المرجع الخوئي قدس سره، أشكل على ذلك لوجود أحاديث في المقام وبعضها صحيحة، ومفادها أن الربح بين العامل والمالك مع مخالفة العامل للشرط مع كون الوضيعة على العامل.

وأساساً نحن نعتمد في المضاربة بعد العمومات على الروايات التي وردت حاكيةً مضاربة العباس عم النبي صلى الله عليه وآله، والشروط التي كان يشترطها على العمال وأمضاها النبي صلى الله عليه وآله، فلماذا لم يلتفت المشهور إلى هذه النصوص وبعضها صحيح السند؟

أجيب عن ذلك أن المشهور لم يأخذوا بالنصوص لأنها مخالفة للقواعد العامة، فلا يعمل بها إلا في موردها دون تعديتها إلى غيرها، ولكنّا لم نفهم ذلك، لأن لسان الروايات لا خصوصية فيه، ويبدو أن الصحيح لمذهب المشهور هو التمسك بما ذكرناه من إعتبارهم المضاربة نوعاً من الوكالة، وقد قلنا سابقاً أن المضاربة عقدٌ مستقل وإن كان فيها جزءٌ من الوكالة، ولذلك قالوا ببطلانها بموت أحدهما وقلنا بإمكان إستمرارها في بعض الحالات.

وكيف كان، بأي وجه يمكن القول بصحة المضاربة؟ بأحد وجهين:

الأول: أن المضاربة تفويضٌ للعامل، ولولاه لفقدت المضاربة جوهرها، حيث جوهر المضاربة تكامل المال والعمل، ولابد من التفويض إلى العامل كي يُشَجَّع على العمل، فإذا حدده المالك وقيده بقيود فربما لا يسعى للربح كثيراً، ومن هنا فوجود مسؤولية على عاتق العامل تدفعه لإستنفاذ جهده للحصول على الربح.

الثاني: لشروط المالك هدف وهي المنع من الخسارة[1] ، ومن هنا فإن ربح العامل فلا نزاع بينهما، ومن هنا ما قاله المشهور من تحول الصفقات بمخالفة الشرط فضولية تجريدٌ للمضاربة من جوهرها.

قال السيد اليزدي قدس سره:"لو خالف العامل المالك فيما عينه جهلا أو نسيانا أو اشتباهاً ‌كما لو قال لا تشتر الجنس الفلاني أو من الشخص الفلاني مثلا فاشتراه جهلا (أو نسياناً أو عمداً) فالشراء فضولي موقوف على إجازة المالك وكذا لو عمل بما ينصرف‌ ‌إطلاقه إلى غيره (قد لا يشترط المالك تصريحاً ولكنه شرطٌ عرفي، إذ لا فرق بين الشرط العرفي الذي تعتمده المضاربة كشرط ضمني أو الشرط الصريح) فإنه بمنزلة النهي عنه ولعل منه ما ذكرنا سابقا من شراء من ينعتق على المالك مع جهله بكونه كذلك (فالرواية خلاف لما ذكر) وكذا الحال إذا كان مخطئا في طريقة التجارة بأن اشترى ما لا مصلحة في شرائه عند أرباب المعاملة في ذلك الوقت بحيث لو عرض على التجار حكموا بخطائه"[2] .

ونحن مع المرجع الخوئي قدس سره في تصحيح المعاملة وتضمين العامل إعتماداً على النصوص الصريحة في الباب.

 

تعدد العاملين في المضاربة

قد تكون المضاربة مع أكثر من عامل، ولها صورتان، فقد يضارب المالك كلاً من العاملين على حدة، فتكون خسارة أو ربح كل عاملٍ على حدة، وقد يضاربهما معاً في صفقة واحدة، وهو واضحٌ لإبتناء العقد على قصد المتعاقدين.

ولكن لو كانتا صفقتين ولكن شرط المالك على أن تجبر خسارة إحداها من ربح الأخرى، وإعطاء الربح لمن لم يربح، فقد إستشكل الفقهاء على هذا الشرط إبتناءاً على مسألةٍ سابقة وهي عدم جواز تعيين جزء من الربح لمصلحة الأجنبي عن المضاربة، وقد أشكلنا في حينه على القول بعدم الجواز، فإن قيل لعدم تعارف الأمر، قيل بل الأمر متعارفٌ وشائع قديماً وحديثاً على تعيين حصةٍ لثالثٍ أو لمشروعٍ خيري أو شبهه، وإن قيل المنع بسبب ورود النهي ففيه أنا لم نجد نهياً عن ذلك، وأما إدعاء كونه مخالفاً للمضاربة فغير تام.

وكيف كان، فمن منع من إعطاء حصةٍ من الربح لأجنبي من المضاربة منع من الشرط هنا، ولكنا نقول أن مجرد قول المالك أن الخسارة تجبر من هذه الصفقة والأرباح تقسم بينهما فهو تعبيرٌ عن كونها مضاربة واحدة، قال السيد قدس سره: "إذا تعدد العامل كان ضارب اثنين بمائة مثلا بنصف الربح بينهما متساويا أو متفاضلا ‌فإما أن يميز حصة كل منهما من رأس المال كأن يقول على أن يكون لكل منه نصفه وإما لا يميز فعلى الأول الظاهر عدم اشتراكهما في الربح والخسران والجبر إلا مع الشرط"[3] .

ومنع السيد الخوئي قدس سره ذلك لأن الشرط لا يحلل حراماً[4] ، وفيه: أن ذلك صحيحٌ فيما إذا قلنا بعدم جواز إشتراك الأجنبي في الربح والخسارة، وقلنا بانهما مضاربتان متمايزتان ، ولكن الحق أن هذا النوع من الشرط يجعل المضاربتين مضاربة واحدة، والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 


[1] يبدو أن هذا الأمر غالبي فلعل للمالك أغراض أخرى في جعل الشروط. [المقرر].
[2] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص266.
[3] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص266.
[4] قال قدس سره: "و ذلك لما عرفت غير مرة؛ من أن الشروط ليست مشرّعة، و من هنا فصحّتها تكون محتاجة إلى الدليل، و إلّا فمقتضى عقد المضاربة كون الربح بين العامل و المالك خاصة" [ مباني العروة الوثقى، السيد محمد تقي الخوئي، ج1، ص223.]