الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حبس رأس مال المضاربة واشتراط أخذ الربح / الملحقات

 

"إذا أخذ العامل مال المضاربة و ترك التجارة به إلى سنة مثلاً ‌فإن تلف ضمن و لا يستحق المالك عليه غير أصل المال و إن كان آثما في تعطيل مال الغير"[1]

قبل الحديث عن حبس رأس مال المضاربة لابد أن نذكّر بحرمة الظلم وعدم جواز الإضرار بالناس وبخسهم أشيائهم في المصاديق الخفية أيضاً، إذ قد تخفى بعض مصاديق الظلم والإقساط على الناس، فلو كان لشخصٍ سيارة أجرةٍ فأخذها أخرٌ منه ظلماً لمدة، فهنا على الغاصب أن يدفع إليه المنافع الفائتة.

وكذا لو كان شخصٌ يعمل في وظيفة معينة فحبسه وسبب ذلك طرده من الوظيفة وخسرانه مالاً مودعاً عند الشركة، فالحابس ضامنٌ لما خسره لأنه قد أضر به ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام، وقد خاب من حمل ظلماً.

وهل يشمل ذلك ما لو كان يعمل بأجرٍ يومي، فحبسه لشهر، فهل عليه أن يدفع له عن كل يوم ما فوت عنه؟

إختلفوا في الأمر، فقال البعض يختلف الأمر عن الفرض السابق، لأن المهندس كان له مالٌ بالفعل فخسره بسبب الحبس وعلى الحابس ضمانه، بينما هنا لم يعمل ما يخسر به شيئاً، بل منعه من الربح، وبتعبير آخرٍ قالوا عمل الحر لا يجبر وهو غير مضمون، فلو كان عبداً ضمن عمله، بينما الحر لا يضمن.

وقال بعضٌ آخر من الفقهاء بعدم الفرق بين الفرضين، لأن الثاني خسر فعلاً ما كان سيحصل عليه في قبال عمله، فالحابس أورد ضرراً عليه، فيشمله حديث لا ضرر، ويجب عليه جبر الضرر بإعطائه ما بإزاء المنافع الفائتة.

 

في باب المضاربة

وقد سحبوا هذه المسألة إلى باب المضاربة، في صورة أخذ العامل للأموال وحبسها لسنة دون أن يعمل بها، دون أن تربح الأموال أو تخسر، فقال بعض الفقهاء بعدم إستحقاق المالك شيئاً سوى أصل ماله، أما الخسارة التي تحملها – بسبب عدم الربح - فهي وهمية لا حقيقية، وقال بعضٌ بتحقق الضرر فعلاً إذ لا فرق بين المنع من الربح وبين خسران ما ربح.

قال السيد اليزدي قدس سره: "إذا أخذ العامل مال المضاربة و ترك التجارة به إلى سنة مثلاً ‌فإن تلف ضمن و لا يستحق المالك عليه غير أصل المال و إن كان آثما في تعطيل مال الغير"[2] .

نحن نقول: في هكذا موارد يرجع الأمر إلى القاضي، فهو ينظر في المسألة فإن كان العرف يرى الأمر خسارةً على المالك مع وجود حركة تجارية في السوق حيث أن إحتمال تحقق الربح كبير – وإن لم يصل الإحتمال إلى القطع- فحينئذ يكون عدم تفعيل المال خسارةٌ على المالك وحقٌ مضيع له، فهو ظلم وضرر، فيحكم القاضي وفقاً لقواعد الدين مثل "لا ضرر" ، أما إذا إحتمل عدم الربح أو إحتمل خسران المال فليس على العامل شيءٌ.

ومثله في عمل الحر، فإن أورد ضرراً يجبره وإلا فلا، كما لو أشاع شخصٌ على تاجرٍ أنه قد أفلس، فسبب ذلك خسرانه فعلاً – وهو لم يكن مفلساً- فحينئذ على من أشاع عليه أن يجبر ما خسر، أما في غير هذه الحالة، كما لو لم تؤثر الشائعة في خسارته شيئاً فلا يضمن شيئاً.

 

إشتراط أخذ الربح

الشروط بين العامل والمالك في المضاربة، مقبولةٌ إلا في حالة وجود شبهة ربا، أما لو لم تكن شبهة ربا فالشروط متبعة، فإذا شرط العامل على المال أخذ حصته من الربح كلما تحقق، كما لو شرط أخذ أرباح كل يوم أو كل صفقة، بدون إحتساب الخسارة، هل تصح المضاربة بهذا الشرط؟

قيل: لا تصح، لأنها لا تكون مضاربةً حينئذ، لأن إحتساب الربح والخسارة يكون في نهاية المضاربة لجبر الخسارة الواردة على رأس المال بالربح، وقيل تصح، وإن بعنوان مضاربةٍ جديدة، قال السيد قدس سره: "إذا اشترط العامل على المالك عدم كون الربح جابرا للخسران مطلقا‌ فكل ربح حصل يكون بينهما و إن حصل خسران بعده أو قبله أو اشترط أن لا يكون الربح اللاحق جابرا للخسران السابق أو بالعكس فالظاهر الصحة و ربما يستشكل بأنه خلاف وضع المضاربة و هو كما ترى"[3] .

نقول: لنعتبر العقد عقداً جديداً وليس مضاربةً أو لنعتبر كل يومٍ مضاربة[4] ، ومن هنا إختلف المعلقون بينهم فبعضهم خالف السيد اليزدي قدس سره في قبوله للشرط كالمرجعين الحكيم والبروجردي قدس سرهما، وبعضٌ وافق، ونحن مع الموافقين مع قولنا بإحتمال عدم كونه مضاربةً عرفاً وحينئذ فلا تلزمهما أحكام المضاربة، والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


[1] العروة الوثقى فيما تعم به البلوى (المحشى)، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص267.
[2] العروة الوثقى فيما تعم به البلوى (المحشى)، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص267.
[3] العروة الوثقى فيما تعم به البلوى (المحشى)، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص268.
[4] أو كل صفقة.[المقرر].