الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/07/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مضاربة الولي في مال القصّر / الملحقات

 

"يجوز للأب والجد الاتجار بمال المولى عليه‌ بنحو المضاربة بإيقاع عقدها بل مع عدمه أيضا بأن يكون بمجرد الإذن منهما وكذا يجوز لهما المضاربة بماله مع الغير على أن يكون الربح مشتركا بينه و بين العامل وكذا يجوز ذلك للوصي في مال الصغير مع ملاحظة الغبطة و المصلحة و الأمن من هلاك المال"[1] .

 

من المسائل الملحقة في باب المضاربة، عن مدى حق أولياء القاصرين في التصرف في أموالهم عبر إبرام عقد المضاربة أو تخويل الآخرين في الإتجار بأموال القصّر أو حتى أن يقوموا هم بالإتجار بتلك الأموال، وقبل بيان المسألة لابد من بيان بعض التمهيدات:

الأول: الولي على أمر القاصرين – أنّى كانوا - ينبغي عليه مراعاة مصلحتهم في التصرف في أموالهم، ومعنى ذلك أن لا يخاطر بها، وبما أن عقد المضاربة عقدٌ من عقود المخاطرة فربما كان هناك رأي بعدم جواز الدخول في هذا العقد، مضافاً إلى بعض الروايات التي ربما يستفاد منها ذلك.

ومن ثم فمراعاة مصلحة القاصرين هل يلحظ فيها الغبطة والمصلحة، أم يكفي أمن الضرر؟

إختلف الفقهاء في ذلك، فقال بعضٌ بإشتراط وجود الغبطة وبعضٌ قال بكفاية أمن الضرر، وربما يمكن الجمع بين القولين بأنه إن كان ضمانٌ للمال، فالمضاربة فيها من مصلحة الصبي لما يرجى فيها من ربح، خصوصاً أن إكتناز الأموال وتجميدها ليس في مصلحة المجتمع الإسلامي، وقد أنذر الباري عزوجل مكتنزي الذهب والفضة، وربما من حكمة الزكاة في النقدين هو المنع من تجميدها مع حاجة الناس إلى السيولة المالية.

الثاني: هناك عقدٌ للمضاربة وهناك إتجارٌ بالمال على نحوٍ مطلق سواء في إطار الجعالة أو التوكيل أو غيره، نعم الهدف من عقد المضاربة هو الإتجار بالمال، ولكن حيث يعمل بغيره ربما بسبب التخلص من بعض الشروط المعتبرة في المضاربة.

الثالث: من هم القاصرون؟ ومن هم الأولياء؟ القصّر قد يكونوا أيتاماً وقد يكونو مجانين أو سفّه أو بلّه، وقد يكونوا ممن حجر عليهم التصرف.

والولي قد يكون ولياً على هؤلاء كالأب والجد وغيرهم، كما قد يكون الولي هو الولي عن الوقف فيتجر بمال الوقف، وكذلك الولي الذي يجمع التبرعات ويصرفها، وكذلك ولي الفقيه الذي يلي مال المسلمين، فليست المسألة محدودة بالأيتام، بل تشمل كل من يتولّى أموال الآخرين.

 

إتجار الولي بالمال

إذا أراد الولي التصرف في المال بالإتجار لذاته، فسيكون نوع من إتحاد طرفي الموجب والقابل، لأنه وليٌ من جهة وتاجر (عامل) من جهة أخرى، فمن الناحية الصورية ليست هناك مشكلة بأن يكون للإنسان شخصيتين إحداها ذاتية والأخرى إعتبارية، فحتى في عقد النكاح الذي هو أشد العقود وأكثرها إحتياطاً قلنا بإمكان أن يتولى شخصٌ واحد طرفي العقد، وكيلاً من جهة وأصيلاً من جهة أخرى.

ولكن يبدو أن تركيز الحديث في المقام – وحتى بعض الفقهاء الذين تبعوا الروايات في المقام - إنصب على المنع من إتجار الولي لنفسه في المال، لوجود شبهة التحيّز والفساد، والله سبحانه يقول: ﴿وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتيمِ إِلاَّ بِالَّتي‌ هِيَ أَحْسَنُ﴾[2] ، وهذا يختلف عما لو ضارب شخصاً آخر، إذ سيكون ناظراً على الأموال ومراقباً لها.

والحقيقة، يأتي ذات الكلام في كثير من تصرفات الأولياء، فإن لم نعتقد بعدالة الولي ولم يكن له دينٌ يردعه، فولايته من الأساس منتفية، إذ هناك الكثير من إحتمالات الفساد ولكن حيث نعتقد بعدالة الولي فالمفروض أن دينه وعدله يمنعه من التحيّز والإفساد في المال، ومن هنا ربما يحمل قول المانعين والروايات على أحد المحملين التاليين:

الأول: عدم الثقة بالولي حال تعامله في أموال الغير لنفسه دون التفريط فيه.

الثاني: كون هذا الحكم من الأحكام الولائية التي أصدرها الأئمة عليهم السلام من أجل أخذ الحيطة والحفاظ على أموال القصّر، وقد فسّر البعض بهذا التفسير في مسألة الوصي الذي يتصرف في مال الموصي لنفسه.

قال السيد اليزدي قدس سره: "يجوز للأب والجد الاتجار بمال المولى عليه‌ بنحو المضاربة بإيقاع عقدها (بأن يتولى طرفيها هو من جانب أصيل ومن جانب ولي) بل مع عدمه أيضا (إذ لا يقتصر الإتجار بالمضاربة) بأن يكون بمجرد الإذن منهما (ولا نعتقد القضية مقتصرة على الأب والجد بل تشمل الوصي والولي على الوقف والولي على المحجور عليه وصولاً إلى ولاية الفقيه) وكذا يجوز لهما المضاربة بماله مع الغير على أن يكون الربح مشتركا بينه و بين العامل وكذا يجوز ذلك للوصي في مال الصغير مع ملاحظة الغبطة و المصلحة و الأمن من هلاك المال (لا يخفى أن ملاحظة الغبطة والمصلحة والأمن لا تقتصر على الوصي بل تشمل الولي أيضاً، وكان الأجدر أن يقول السيد: يجوز للولي المفوض التصرف مع ملاحظة ..)"[3] .

وقد ذكرنا أن الأمن كافٍ إذ معه نفضل التصرف في المال، ولكن يجب أن نلاحظ أن المقصود من الأمن ليس الأمن التام، إذ لا مضاربة دون مخاطرة، ولكن الأمن بمعنى الأمن عند العقلاء، إذ يكون الأمر حينئذٍ أمرٌ نسبي بحسب المضاربة ونوعها.

أما عن الإيصاء فقال السيد قدس سره في المسألة العاشرة: "يجوز للأب و الجد الإيصاء بالمضاربة بمال المولى عليه ‌بإيقاع الوصي عقدها لنفسه أو لغيره مع تعيين‌ ‌الحصة من الربح أو إيكاله إليه (وهذه المسألة واضحة ولكن لوجود راويات خصها الماتن بالذكر) وكذا يجوز لهما الإيصاء بالمضاربة في حصة القصير من تركتهما بأحد الوجهين"[4] .

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


[1] العروة الوثقى- جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص261.
[2] الأنعام/السورة6، الآية152.
[3] العروة الوثقى- جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص261.
[4] العروة الوثقى- جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص261.