الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مباني ثلاث في موت المضارب / الملحقات / كتاب المضاربة

كان الكلام في مسائل وفاة العامل وكيفية التعامل مع تركته التي منها مال المضاربة وينبغي أن نؤسس أولاً بعض المباني التي نعتمدها في هذه المسألة:

أولاً: أسباب تحول المال من ملكيته لشخصٍ إلى شراكة

تارة تكون الشراكة عقدية وقد تحدثنا عن ذلك في كتاب الشركة، عبر تمليك كلٍ من الطرفين نصف ماله للآخر، ومنها الشراكة القهرية كما في شراكة الورثة للتركة، وكما في إمتزاج الأموال ببعضها كإمتزاج الحنطة بالحنطة، أو جنسين متقاربين لا يمكن التميز بينهما.

وهناك نوعٌ من الشراكة مختلفٌ فيها، أو على الأقل بين الفقهاء الذين عاصرناهم كالمرجعين الحكيم والخوئي، وهو في اختلاط الأموال، فهل يؤدي الإختلاط إلى الشراكة؟

والإختلاط أنواعٌ كإختلاط المتشابهات، كحمل التفاح بالتفاح أو البطيخ بالبطيخ، أو ثيابٍ بثيابٍ، أو سيارات بسيارات متشابهة في كل النواحي، وهذا ليس إمتزاجاً بل هو إختلاط، فهل هنا يصار إلى الشركة القهرية أم لا؟

المرجع الحكيم قدس سره – كما نقلنا كلامه في الدرس السابق - يرى عدم الدليل على تسبيب الإختلاط للإشتراك القهري، ولنا أن نتساءل: ما هو الدليل على المشاركة القهرية فيما لو إمتزج السكر بالسكر أو الحنطة بالحنطة؟

فإن قيل أن السبب والدليل في التشريك هناك هو صعوبة التمايز أو تعذره، فيقال الأمر ذاته في حمل البطيخ إذا إختلط بحمل بطيخ أو الثياب بالثياب، فإن عدم إمكان الفصل مشتركٌ في الصورتين فيما إذا كان الإختلاط بحيث لا يمكن التمييز، خصوصاً مع نمو التصنيع الحديث حيث يصنع من شيء واحد آلاف النسخ المتطابقة، ولعل السبب في ذلك ما بيناه بأن إهتمام الناس في الغالب بمالية الشيء، وليس بالتشخص العيني، فحقيقة الأمر في إهتمام الناس بأموالهم في قيمتها دون النظر إلى خصوصيةٍ دقيّة فيها، ولعل كلما تقدم الزمان صارت المثليات أكثر من القيميات.

ثانياً: قاعدة الإختلاط في الروايات

ما نقلناه من النصوص كدرهمي الودعي وغيرها تدل على الإختلاط والحكم فيها وإن بني على قاعدة العدل، لكنه دال على قاعدة الإختلاط، فإن الحكم مبني على الأخذ بمالية الدرهم لا عينه.

وأما رواية السكوني عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول من يموت و عنده مال مضاربة، قال (ع): "إن سماه بعينه قبل موته، فقال: هذا لفلان، فهو له، و إن مات و لم يذكر فهو أسوة الغرماء"[1] تدل أيضاً على ما ذكرنا إذ أن المال حيث إختلط بمال الميت، صار كسائر الغرماء في التركة.

وقد ضعّف البعض هذه الرواية لكن آخرون إعتمدوها، لقبول الفقهاء روايات السكوني في الجملة، خصوصاً وأن النوفلي الذي روى عنه – هذه الرواية وغيرها- عدلٌ.

فالرواية دليل على إمضاء لحالة عرفية ترى أن عدم إمكان تشخيص المال المختلط بمالٍ آخر يؤدي إلى الإشتراك، وبذا يمكن التعدي من مورد الرواية إلى غيرها.

أما القرعة، ففيه: أولاً: ثبوت القرعة في نفسه مشكل خصوصاً في الموارد التي لم يعمل بها الفقهاء، وثانياً: القرعة أضعف عند العقلاء من الإشتراك.

 

ثالثاً: الأصل في المقام

إذا علمنا بأن الميت كان يعمل بأموال المالكين مضاربةً، وطالب أصحاب المال بأموالهم ولا نعلم حالها، هل هي باقية أم تلفت، هل ربحت أم لا؟

فقال البعض بجريان الإستصحاب في المقام، للعلم بأخذه لها والشك في الرد والتلف، خلافاً لمن ذهب بعدم جريانه لتغير الموضوع من المضارب الحي إلى المتوفى.

لكنك خبير بأن الموضوع المتغير الذي يمنع من جريان الأصل هو ما يؤثر في الحكم وليس المقام منه، فالحكم ـ في مقامنا ـ هو وجوب إرجاع الأموال حياً كان أم ميتاً – لوجوب الرد على الورثة- فموضوع الحياة الموت لا يغير حكم وجوب الرد كما لا يخفى.

نعم، لو كان تغيّر من جهة أخرى، كما لو كانت المضاربة قبل فترة طويلة والآن ترك زيد المضاربة كلياً، فلا يمكن إجراء الأصل، فتقلبات الزمان أثرت بحيث نشك في أن مقتضى الحكم الأول لا يزال مستمراً، و قد ذكرنا عدم جريان الأصل عند الشك في المقتضي.

أما فيما نحن فيه فلا إشكال في جريان إستصحاب بقاء حق المالك عنده ووجوب رده، ومن هنا أغلب الفقهاء المعلقين على العروة قالوا بجريان الإستصحاب في المسائل القادمة، لعدم إعتبار الموت مغيراً لموضوع الحكم.

وأغلب المسائل القادمة حول الشك في بقاء حق المالكين بذمة العاملين، بأي سببٍ من الأسباب، فإذا كان الشك من موارد الإستصحاب فنجريه، والسبب في ذلك ما ذكرنا من أن القاعدة الحاكمة في مثل هذه الموارد هي قاعدة اليد، وهي ليست قاعدة فقهية فحسب بل هي بيان لأصل عقلائي يفيد مسؤولية الإنسان في الحياة، فلما وضع يده – جارحةً أو سلطةً - على مالٍ ما وجب عليه رده، والقرآن الكريم يأمر برد الأمانات إلى أهلها.

ومن هنا، فعند الشك في الأداء أو عدمه نستصحب العدم، ولا دعوى بالرد من قبل العامل تقبل من جهة أمانته، لموته في مفروض المسألة، ولا تقبل دعوى الورثة بدون بينة، والله العالم.

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العالمي، ج13، ص191، كتاب المضاربة، ب13، ح1، ط اسلامیة.