الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة 53 / النزاع في المضاربة 3 / أحكام المضاربة

 

لا زلنا في مسائل النزاعات التي تطرأ على عقود القراض ومن أبرز تلك الإختلافات في تحديد مقدار الربح، حيث يختلف عادة المالك والعامل في أن حصة العامل هل كانت مثلاً النصف أو الثلث أو ما أشبه، ففي مثل هذه الصورة، اختلف العلماء والسبب فيه إختلاف المباني في مسألتين اساسيتين:

الأولى: أن الأصل في كون الربح كله للمالك كأي نماء آخر أم لا أصل في ذلك.

الثانية: هل في الدعاوى نرجع إلى مصب الدعوى أم إلى مآلها، أي بالطريقة التي يطرح المدعي دعواه، أم أن القاضي هو الذي يشخص المنكر ويميزه عن المدعي.

ويبدو أن هذين المبنيين سبب اختلاف الفقهاء في هذه المسألة الشائكة ولابد أن يرجع كلٌ إلى مبناه.

يقول السيد: "إذا اختلفا في مقدار حصة العامل و أنه نصف الربح مثلا أو ثلثه ‌قدم قول المالك"[1] .

وهو واضحٌ بإعتبار أن المالك حسب رأي المشهور هو الذي يملك المال وكما يملك المال يملك كل ربح المال إلا ما استثني (ما منّ به على العامل) فالأصل أن يكون المال للمالك ونشك في خروج النصف أو الثلث من هذه الملكية، فالأصل هو عدم الزيادة.

ولكن على المبنى آخر بأن المال هو للمالك ولكن هذا الربح ليس حصيلة المال فحسب وليس تابعاً للمال كنماء وإنما الربح حصيلة جهد العامل ومال المالك، فلابد أن نعرف ذلك ونحدد حصة عادلة لكل منهما.. ومن أدعى أكثر من تلك الحصة فعليه أن يأتي بالبينة، فالمنكر من ينكر أكثر من الحصة العادلة عند العرف.

ومبنى ثالث في المقام يذهب إلى أن مصب الدعوى هو المرجع في تعيين المدعي والمنكر، فالعامل يقول أن العقد الذي جرى بيني وبينك كان على النصف والمالك يقول أنه على الثلث، فلا ننظر إلى من يدعي الزيادة لأنه هكذا طرحت الدعوى حيث كل يدعي نوعٌ من الدعوى ولا جامع بينهما، فهنا تداعي ويتحالفان.

ولا تنتهي المشكلة بالتحالف بل الأصل، ولا أصل، وبالتالي يرجع إلى مبنى مآل الدعوى فهذه أقوالٌ ثلاث: قول للمالك، وقول لا لهما بل لمن يدعي الحصة العادلة، وقول ثالث بالتداعي.

ذهب السيد اليزدي إلى أن القول قول المالك، لكنا يجب أن نبلور المباني أكثر فنقول:

الأول: هل الربح كله للمالك إلا ما استثني أم لا؟

الثاني: عن مصب الدعوى، وهل نرجع فيها إلى طريقة بيانها أم إلى مآلها حيث نرى من الذي يدعي الزيادة.

الثالث: عن أجرة المثل، فهي المرجع عند فساد المعاملة، وإليها مال المحقق الثاني في جامع المقاصد ونحن لا نرى فرق واسع بين أجرة المثل وبين الحصة العادلة.

الرابع: ثم من هو صاحب اليد فهل هو العامل أم المالك، بناء على تقديم قول صاحب اليد مطلقاً.

الخامس: أن النزاع قد يكون قبل العمل، فهل المضاربة هنا لازمة أم لا؟ إن كانت جائزة فليفسخوها ويعيدوا الإتفاق، أما إذا كانت لازمة إما بناءاً على إتفاقهما باللزوم كما لو حددوها في سنة، وإما إذا اشترطا اللزوم في نفس العقد أو في عقدٍ لازمٍ آخر.

وحيث لا قاعدة تحكم هنا ففي مثل هذه الحالة أنهما يتحالفان كما لو اختلفا في أنه هل كان عقد بيع أو إيجار، فلما إختلفا في نوع المعاملة فإنهما يتحالفان.

أما الأقوال:

يبدو أن الشيخ الطوسي قدس سره له رأيان، فتارة يقول: "إن دفع المالك إليه الفا قراضاً فنضّ وربح حتى صار ألفين فاختلفا في نصيب العامل فقال له رب المال شرطت لك النصف وقال العامل شرطت لي الثلثين، تحالفا"، وذلك من باب التداعي لإدعاء كلٌ منهما شيء وينكر دعوى المقابل.

ولكنه يقول لاحقاً "والذي يقوى في نفسي أن القول قول رب المال مع يمينه لان المال والربح له وإنما يثبت شيء منه للعامل بالشرط فعليه البينة فيما يدعيه".

وهذا مبنيٌ على أن الربح تابعٌ للمال إلا ما أخرجه المالك.

أما المحقق والعلامة في كتبه خصوصاً في التذكرة، ذهبا إلى أن الأصل مع المالك أيضاً، وقال في التذكرة "عند علمائنا"، ثم أضاف: "وبه قال الثوري" وأتى بآراء المذاهب الأخرى ثم قال: "لان المالك منكر لما ادعاه العامل وقال الشافعي تحالفا لانهما اختلفا في نوع العقد وصفته فأشبه اختلاف المتبايعين في قدر الثمن".

أما المحقق الثاني فله كلام، وقد أشكل بعض الفقهاء على كلامه، ولكن بالتعمق نرى لا بأس فيه، ونص ما قاله قدس سره: "وأما بعد حصوله (الربح) فإن كل منهما مدعٍ ومدع عليه فيجيء القول بالتحالف، ولا اعلم الآن لأصحابنا قول بالتحالف".

واستشكل صاحب الجواهر على كلام الكركي بأمور:

أولاً: قد نتصور النزاع قبل ظهور الربح وحينئذ مع كون المضاربة عقداً لازماً فيجاب عن المحقق الكركي: هنا ايضاً يكون التحالف لأنه قال مطلقاً.

ثانياً: الحديث ليس عن الربح بل عن طبيعة العقد، فأحدهما قال طبيعة العقد عقدٌ بالثلثين والثاني قال هو بالنصف..

اما السيد الخوئي: فقد رد التحالف الذي بينه المحقق الثاني قائلاً أن هذا التحالف في غاية الضعف وذلك فيما ذكره في باب القضاء. ومن هنا فلابد من الرجوع إلى العرف. وعليه فلا مجال للتحالف.

صاحب الجواهر من جهة والمرجع الخوئي من جهة أخرى والعلامة الطباطبائي من جهة ثالثة خالفوا المحقق الكركي رضوان الله عليه.

للحديث تتمة تأتي إن شاء الله تعالى.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص237.