الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/06/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النزاع في المضاربة 2 / أحكام المضاربة

 

قال السيد اليزدي قدس سره: "لو ادعى المالك على العامل أنه خان أو فرط في الحفظ‌ فتلف أو شرط عليه أن لا يشتري الجنس الفلاني أو لا يبيع من زيد أو نحو ذلك فالقول قول العامل في عدم الخيانة والتفريط وعدم شرط المالك عليه الشرط الكذائي.." [1] .

 

من النزاعات التي قد تحدث بين المتضاربين ما لو أدعى المالك على العامل الخيانة والتفريط أو كل ما يسبب ضمانه لمال المضاربة، وأنكر العامل ذلك، فالقول حينئذ قول العامل لأنه أمينٌ أولاً، وليس على الأمين سوى اليمين، ولأنه منكرٌ للخيانة والتفريط ثانياً.

وكذا لو أدعى المالك قيام العامل بعملٍ يخالف الأعراف السائدة أو الشروط الضمنية، كالسفر مع إقتضاء العرف عدمه، أو عدمه مع إقتضائه، فالقول قول العامل أيضاً.

أما لو قام العامل بعملٍ يشترط فيه اذن المالك فأدعى العامل الإذن وأنكر المالك ذلك، كما لو قلنا بأن السفر التجاري مفتقرٌ إلى إذن المالك، فالقول قول المالك لأنه منكرٌ للإذن.

ففيما لا يحتاج إلى الإذن يقدّم قول العامل بخلاف ما كان محتاجاً إلى إذن المالك وإنكار المالك صدوره منه.

قال السيد اليزدي قدس سره: "لو ادعى المالك على العامل أنه خان أو فرط في الحفظ‌ فتلف أو شرط عليه أن لا يشتري الجنس الفلاني أو لا يبيع من زيد أو نحو ذلك فالقول قول العامل في عدم الخيانة والتفريط وعدم شرط المالك عليه الشرط الكذائي (لو أدعى المالك الإشتراط وأنكر المالك ذلك ففي مثل هذه الحالة القول قول العامل مع يمينه لإنكاره) والمفروض أن مع عدم الشرط يكون مختارا في الشراء‌ ‌وفي البيع من أي شخص أراد. نعم؛ لو فعل العامل ما لا يجوز له إلا بإذن من المالك كما لو سافر أو باع بالنسيئة و ادعى الإذن من المالك فالقول قول المالك في عدم الإذن والحاصل أن العامل لو ادعى الإذن فيما لا يجوز إلا بالإذن قدم فيه قول المالك المنكر ولو ادعى المالك المنع فيما يجوز إلا مع المنع قدم قول العامل المنكر له‌"[2] .

وهذا واضحٌ لا يحتاج إلى مزيد بيان.

دعوى تلف المال

وفي المسألة الثانية بعد الخمسين يتعرض السيد لمسألة دعوى العامل تلف المال، حيث قال: "لو ادعى العامل التلف وأنكر المالك قدم قول العامل‌ لأنه أمين سواء كان بأمر ظاهر أو خفي"[3] .

قلنا أن العامل أمينٌ ليس عليه إلا اليمين عند إدعائه تلف المال، ولكن بالإمكان تضمينه بالإشتراط وقد قيل بعدم إمكان تضمينه لمخالفته مقتضى العقد، الأمر الذي لم نعتبره مخالفةً لمقتضى عقد المضاربة، وكذا يمكن تضمينه ما لو خلط القرض بالقراض بدون تعيين القرض، فحينئذ عليه – إذا إدعى التلف في القراض - إقامة البينة كما عليه إقامتها في دعوى تلف القرض.

ولكن في الظروف العادية حيث يكون العامل أميناً تسمع دعوى تلفه مع يمينه، وقد فصّل بعض الفقهاء بين ما كان التلف المدعى ظاهراً كحرقٍ وغرقٍ وشبهه فيقبل قوله، وبين التلف الخفي فلا يقبل، إلا أن السيد وجمعٌ من الفقهاء لم يفرقوا بين الصورتين لأنه أمينٌ وليس عليه سوى اليمين ويدل عليه ترك الإستفصال في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَسْتَبْضِعُ الْمَالَ فَيَهْلِكُ أَوْ يُسْرَقُ أَ عَلَى صَاحِبِهِ ضَمَانٌ؟ فقال عليه السلام: "لَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَمِيناً"[4] .

ثم قال السيد قدس سره: "وكذا لو ادعى الخسارة أو ادعى عدم الربح أو ادعى عدم حصول المطالبات في النسيئة مع فرض كونه مأذونا في البيع بالدين (أو غيرها من دعاوى تلف المال، فالقول قوله مع اليمين لأن أي أدعاء يفتقر في إثباته إلى ما يثبته، وإطلاق النص السابق منصرف عن المقام) ولا فرق في سماع قوله بين أن يكون الدعوى قبل فسخ المضاربة أو بعده نعم لو ادعى بعد الفسخ التلف بعده (الإدعاء يرتبط بالتلف بعد الفسخ) ففي سماع قوله لبقاء حكم أمانته و عدمه لخروجه بعده عن كونه أمينا وجهان (فمن جهة الأمانة تستصحب حتى الرد فلا ضمان، ومن جهة ربما يقال بإنتهائها مع إنتهاء المضاربة حيث يحتاج إلى بينة لإثبات دعواه، ويسكت السيد عن الترجيح بين القولين، ونحن نقول: هذه الحالات تختلف بإختلاف الظروف، فإذا كان العرف يعتبر إنتهاء المضاربة بإنتهاء كل لوازمها –ومنها التسليم- فلا زال العامل أميناً وتقبل دعواه، أما إذا إعتبرها منتهية من حينه فربما يقال بتضمينه، وكيف كان فالسيدان الحكيم[5] والشيرازي[6] قدس سرهما رجحا سماع دعواه لبقاء الأمانة) ولو أقر بحصول الربح ثمَّ بعد ذلك ادعى التلف أو الخسارة و قال إني اشتبهت في حصوله لم يسمع منه لأنه رجوع عن إقراره الأول (فقد يقر أولاً بالربح ثم يدعي الإشتباه فهو ينكر ما أقر به، ولكن الفقهاء قالوا إن كان هناك وجهٌ لكلامه ولم يكن رجوعاً عن دعواه فلابد من سماع قوله كما لو قال كنت أظن حصول الربح ولم أحتسب الأموال وشبهه، فحينئذ لابد أن يبحث له عن مخرج لتصحيح قوله، ولذا فيما يبدو السيد قدس سره يتراجع قليلاً ويقول:) ولكن لو قال ربحت ثم تلف أو ثمّ حصلت الخسارة قبل منه"[7] ، بحيث لا يتناقض ذلك مع إقراره السابق.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص235.
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص235.
[3] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص235.
[4] وسائل الشيعة-ط الإسلامية، الشيخ الحر العاملي، ج13، ص237.
[5] في المستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الطباطبائي الحكيم، ج12، ص397.. [المقرر]
[6] في الفقه، ج54، ص133. [المقرر].
[7] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص237.