الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/06/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فساد المضاربة 2 / أحكام المضاربة

 

"و كذا الحال إذا كان المالك عالما دون العامل فإنه يستحق الأجرة ولا يضمن التلف و النقص و إن كانا عالمين أو كان العامل عالما دون المالك فلا أجرة له لإقدامه على العمل‌ ‌مع علمه بعدم صحة المعاملة"[1] .

فيما يرتبط بفساد المضاربة، قالوا إن كان الطرفان عالمين بفسادها فلا أجرة للعامل حينئذٍ لإقدامه على عملٍ وهو يعلم بفساده، وقد إستشكل المرجع الحكيم[2] على ذلك بأن العلم بالفساد لا يساوي الإقدام على الإضرار دوماً إذ قد لا يكون متبرعاً في عمله.

وأشكل آخرون[3] بأن الربح هو حصيلة المال والعمل معاً، فالربح هو الجهد المركز، فبأي حقٍ يعطى الربح كله للمالك مع كون جزءٍ منه نتاج جهد العامل، والذي فيه بخسٌ لحقه وظلمه؟

نعم؛ مع عدم وجود ربح بعد العلم بالفساد فلا أجرة للعامل لإقدامه على الإضرار بنفسه، وقد أتفقوا على أنه لا شيء عليه مع عدم ظهور الربح حال صحة المضاربة لأنها من عقود المخاطرة كما مرّ، إذ العامل يقدم على المعاملة رجاءاً للربح ومع عدم ربحها لا شيء له، ومن هنا شبه البعض المضاربة بالجعالة، بالرغم من أنها إيقاع والمضاربة عقد ولكن من جهة النتيجة، حيث أن العامل لا يستحق شيئاً ما لم يحصل على الربح كما لا يستحق العامل شيئاً في الجعالة ما لم يحقق النتيجة المجعول بإزائها.

ولعله يستفاد في هذا الإطار من قاعدة (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) وعكسها.

قال السيد اليزدي قدس سره: "و كذا الحال إذا كان المالك عالما دون العامل فإنه يستحق الأجرة (وهي متشابهة مع الأجرة الحقيقية كما مر) و لا يضمن التلف و النقص و إن كانا عالمين أو كان العامل عالما دون المالك فلا أجرة له لإقدامه على العمل‌ ‌مع علمه بعدم صحة المعاملة"[4] .

وعلقوا على ذلك: فيما إذا كان العامل عالماً وأقدم على شيء فإن لم يحصل ربح فلا شيء له، وإن حصل الربح فله جزء منه خلافاً للسيد اليزدي قدس سره إما لما افاده المرجع الحكيم بأن علمه بالفساد لا يدل على التبرع بالعمل فهو لم يقدم على ضرر نفسه، وإما لما أفاده المرجع الشيرازي بأن هذا الربح أساساً حصيلة جهده أيضاً كما هو حصيلة المال.

ثم قال السيد قدس سره: "وربما يحتمل في صورة علمهما أنه يستحق حصته من الربح من باب الجعالة"[5] ، حيث علل ذلك بأن المضاربة جزئين، أحدهما عقد والثاني إيقاع، فالمضاربة تحوي الجعالة في ضمنها، فمعنى الجعالة هو جعل شيء إذا حصل على شيء ما مثلاً، والمضاربة تحتوي على هذا المعنى.

إلا أن السيد قدس سره لا يرتضي ذلك لعدم قصد الجعالة في المقام، ومع عدم القصد لا تتحقق، ولكن فيه أن العامل وإن لم يقصدها كما يقال، ولكنه لم يقدم مجاناً بل أقدم قاصداً الحصول على شيء من خلال المعاملة، وحال الكثير من الناس أنهم يخطئون في النية من جهة الإشتباه في التطبيق، كما يشتبه بين الزكاة والخمس، أو بين صلاة الظهر والعصر التي روي فيها أنها أربعةٌ بأربعة، فالعامل في مثل المقام ليس ينوي المضاربة أو الجعالة بعينهما بل هو ينوي الربح، فإن لم تكن مضاربة فلتكن جعالة، وهذه التدقيقات ليست من شأن العوام بل لعامة الناس طريقة أخرى في العقود. وكيف كان فقد قال السيد : "وفيه: أن المفروض عدم قصدها كما أنه ربما يحتمل إستحقاقه أجرة المثل إذا اعتقد أنه يستحقها مع الفساد وله وجه وإن كان الأقوى خلافه" إعتبر بعض المعلقين في عبارة السيد شيئاً من التشويش، ولكن من الواضح أن السيد مترددٌ في حصول العامل على شيء أو عدمه بعد تحقق الربح، فهو ربما يرى وجدانا إستحقاقه ولكن لا يمكنه تطبيقه على مبنى أو قاعدة، ولكننا نقول أن الأقوى هو إستحقاقه، لأن الربح حصيلة جهده أيضاً وهو يستحق ذلك، مضافاً إلى أنه لم يقدم على الإضرار بنفسه.

هذا كله فيما إذا حصل ربح أما مع عدم وجود ربح فقال: "هذا كله إذا حصل ربح و لو قليلا و أما مع عدم حصوله فاستحقاق العامل الأجرة و لو مع الجهل مشكل لإقدامه على عدم العوض لعمله مع عدم حصول الربح و على هذا ففي صورة حصوله أيضا يستحق أقل الأمرين من مقدار الربح و أجرة المثل (وهذا أيضاً صحيح، لأنه إذا كانت أجرة المثل أقل فبإعتبار المضاربة فاسدة فلا يحصل على الأجرة المسماة فيحصل على الأقل فهو يحصل على ما يحصل عليه لا من جهة العقد، لفساده بل من جهة إستحقاقه بالعمل) لكن الأقوى خلافه (يرى السيد الحكيم أن لا معنى لمخالفة القول بأقل الأمرين، والذي يبدو أن مراده من الأقوى خلافه هو الأقوى أنه يستحق شيئاً لا أقل ولا أكثر) لأن رضاه بذلك كان مقيدا بالمضاربة و مراعاة الاحتياط في هذا و بعض الصور المتقدمة أولى"[6] ‌.

وهكذا سيستمر خلافنا مع السيد قدس سره في المسائل القادمة في مبنيين:

الأول: كون الربح كله للمالك، مع قولنا بأنه بينهما.

والثاني: قول السيد أن المقدم على المضاربة مع علمه بفسادها لا يستحق شيئاً، الذي نخالفه بأنه لو أقدم بنية الربح فيستحق الأجر.


[1] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص230.
[2] المستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الطباطبائي الحكيم، ج12، ص391. قال السيد الحكيم قدس سره في " العلم بعدم صحة المعاملة شرعاً لا يقتضي الإقدام على التبرع، الموجب لعدم الاستحقاق"
[3] وهو المرجع الشيرازي قدس سره حيث قال في الفقه، ج54، ص127 " ولكنك قد عرفت أن مقتضى القاعدة النسبة، لأن الربح وليدهما، سواء علما بالبطلان أو جهلا، أو علم أحدهما".
[4] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص230.
[5] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص231.
[6] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص232.