الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: وقاية الربح لرأس المال / أحكام المضاربة

 

"قد عرفت أن الربح وقاية لرأس المال من غير فرق بين أن يكون سابقا على التلف أو الخسران أو لاحقا فالخسارة السابقة تجبر بالربح اللاحق و بالعكس ثمَّ لا يلزم أن يكون الربح حاصلا من مجموع رأس المال.."[1] .

 

الحديث ما قبل الأخير في المضاربة عن الربح، وتحديداً العلاقة بين الربح والخسارة، وكيف أن الخسارة تجبر بالربح، ويبدو أن السيد اليزدي قدس سره أفاض الحديث عن هذا الموضوع لوجود مسائل كثيرة مطروحة في هذا الباب عند الناس، ومنها كيفية جبر الخسارة في المال من الربح، لوجود الشعب الكثيرة فلابد من تفصيل القول في المسألة، كما لو سحب المالك جزءاً من مال المضاربة مع إستمرار الجزء الآخر في العمل وربح، فهل نحتسب الربح بالنسبة إلى المال حتى الجزء المسحوب أم من دونه؟

كأن أكثر المعلقين على العروة خالفوه فيما ذهب إليه في جعله لرأس المال المسحوب جزءاً من إحتساب الربح، ومن هنا نحن نفصل القول فيما يلي:

قبل كل شيء لابد أن نعلم أن الشائع بين الفقهاء من (أن الربح وقاية لرأس المال) ليست كلمة مستفادة من النصوص الشرعية، بل هي قاعدة مستفادة من أن الربح في المضاربة لا يسمى ربحاً إلا بعد سلامة رأس المال، فلو كانت في المضاربة صفقات متعددة منها الرابح ومنها الخاسر، ففي النهاية يحتسب الجميع، فإن كان رأس المال باقياً أعتبر الزيادة ربحاً وإلا فلا ربح، واختصروا ذلك في هذا التعبير.

ومن هنا؛ فلو كان رأس المال مائة دينار، ثم سحب بعد فترة نصفها، فحين سحب الخمسين رضي العامل بإستمرار المضاربة بالخمسين - مع خياره بالفسخ، سواءاً على القول بجوازها مطلقاً أو بلزومها لتبعض الصفقة- فهل تحتسب الأرباح بناءاً على المائة أم على الخمسين، فلو كان كلي المال مائة وخمسين، فهل يعتبر الخمسين رأس المال ويحتسب الباقي ربحاً أم يحتسب المال مائة والزائد عليه (وهو الخمسين) ربحاً؟

نقول: إن المضاربة كانت في النصف الأول من العام على مائة، وفي النصف الثاني صارت على الخمسين، فنتسائل هل الربح يرتبط بالنصف الأول من العام أم بالنصف الثاني، حيث يكون في الأول رأس المال مائةً والثاني خمسين.

وفي ذلك بعض اللبس، وهي في أن الخمسين حين سحبها كانت المضاربة رابحة، إذ المفروض أن الصفقة كانت رابحة حينئذٍ وكان المال مائة وخمسين فحين سحب المالك الخمسين لا يدرى هل أخذها من رأس المال أم من الربح؟ وطبيعي في هذه الحالة فإن العقل يحكم بأن المال الذي سحبه حينئذ كان نصفه ربحاً ونصفه من رأس المال، بإعتبار عدم ملكه للربح كله، فحوّل رأس المال إلى خمسة وسبعين.

وفي رأينا لابد من التدقيق في المسألة، فإن لم يكن المال من الربح فهو من رأس المال وإن كان قد ربح أزيد من الخمسين فهو من رأس المال، فلا تأثير للقصد في المقام بل الحساب، فلو فرض كون البضاعة قد ربحت مائة فلا نحتسب الخمسين من رأس المال، ففي نهاية المضاربة نحتسب الأرباح بنسبة رأس المال الأول.

والسيد اليزدي قدس سره، يمثّل بسحب المالك لعشرة دنانير من المال مع كون الربح والخسارة قبل السحب، وحينئذ فالحساب يكون من المبلغ الأول، فالمضاربة الواحدة أصبحت مضاربتين، الأولى على المائة والثانية على التسعين، ولم يكن سحبه للعشرة قبل البدء بالمضاربة، بل بعد العمل ووجود ربح وخسارة، فمادام الربح والخسارة على المائة فنحستبه بنسبته، وبذلك فلو كان الربح عشرة دنانير يحتسب بنسبة المائة لا التسعين.

ونحن نرى ـ كما بعض المحشين كالسيد البروجردي قدس سره ـ أن الربح يحتسب بنسبة المبلغ الجديد، ولكن هناك ظرائف في التجارة منها المسألة التالية:

لو دخل العامل السوق برصيد مائة مثلاً، وبوركت في تجاراته فبدأ يربح في صفقات مختلفة ويخسر في أخرى، فلما رأى المالك ذلك منه سحب منه نصف المال ليضارب به مع شخص آخر، ولكن العامل الأول إستمر بالمضاربة بإعتبار المائة لا الخمسين، إذ التجارة بالإعتبار لا المال.

أما إذا عرف الناس ذلك، وتعاملوا معه بناءاً على الخمسين لا المائة، وصار الربح والخسارة في النصف الثاني من المضاربة (اي على إعتبار الخمسين)، أو المضاربة الثاني، فلماذا نمزج بينهما، بل نحتسب ربح وخسارة كل مضاربة على حدة، ففي الأولى رأس المال مائة، والثانية خمسين.

على أننا لا نملك قاعدة عامة مفادها أن الربح وقاية لرأس المال ليقال أن عمومها أو إطلاقها يشمل المقام، بل لابد أن نشخص معنى الربح الذي لا يكون إلا بعد سلامة رأس المال، نعم كما قلنا أن كان العمل بناءاً على الإعتبار فيحتسب الربح والخسارة من رأس المال الأول.

قال السيد اليزدي قدس سره: "قد عرفت أن الربح وقاية لرأس المال من غير فرق بين أن يكون سابقاً على التلف أو الخسران أو لاحقاً فالخسارة السابقة تجبر بالربح اللاحق وبالعكس ثمَّ لا يلزم أن يكون الربح حاصلا من مجموع رأس المال (كما لو كان لديه مائة فربح بالخمسين مع خسرانه في الخمسين وهو صحيح) وكذا لا يلزم أن تكون الخسارة واردة على المجموع فلو اتجر بجميع رأس المال فخسر ثمَّ اتجر ببعض الباقي فربح يجبر ذلك الخسران بهذا الربح و كذا إذا اتجر بالبعض فخسر ثمَّ اتجر بالبعض الآخر أو بجميع الباقي فربح و لا يلزم في الربح أو الخسران أن يكون مع بقاء المضاربة حال حصولها فالربح مطلقا جابر للخسارة والتلف مطلقا ما دام لم يتم عمل المضاربة ثمَّ إنه يجوز للمالك أن يسترد بعض مال المضاربة في الأثناء ولكن تبطل بالنسبة إليه وتبقى بالنسبة إلى البقية و تكون (البقية) رأس المال وحينئذ فإذا فرضنا أنه أخذ بعد ما حصل الخسران أو التلف بالنسبة إلى رأس المال مقدارا من البقية ثمَّ اتجر العامل بالبقية أو ببعضها فحصل ربح يكون ذلك الربح جابرا للخسران أو التلف السابق بتمامه"[2] .

فحين ربح أو خسر كان رأس المال مائة، وحين صار نصفاً فلابد أن يرجع المائة حتى لو صار العمل على الخمسين، إلا إذا إعتبرنا العمل في النصف مضاربة ثانية، كما ذهب إلى ذلك أكثر المعلقين وعلى رأسهم السيد البروجردي فلا يحتسب الربح إلا بالنسبة إلى الرأس المال الثاني، أما الماتن فيرى إستمرار المضاربة وبذلك يجبر الربح المبلغ الأول، وبذلك يظهر الفرق بين القولين.

وسيأتي المزيد من البحث عن هذا المطلب لتتضح المسألة أكثر. وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.


[1] - العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص225.
[2] - العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص225.