الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/05/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: جبر رأس المال بالربح / أحكام المضاربة

 

"إذا باع العامل حصته من الربح بعد ظهوره صح مع تحقق الشرائط‌ من معلومية المقدار و غيره و إذا حصل خسران بعد هذا لا يبطل البيع بل يكون بمنزلة التلف فيجب عليه جبره بدفع أقل الأمرين من مقدار قيمة ما باعه و مقدار الخسران‌"[1] .

 

من جملة الفروع المتشعبة في أحكام المضاربة ما يرتبط بقاعدة جبر رأس المال أو جبر خسارته بالربح، التي تصيدناها من خلال معنى المضاربة، فالمضاربة تعني أخذ العامل مال المالك والعمل به، وحين إنتهاء المضاربة أو عند إتفاقهما يلاحظ الربح والخسران بالنسبة إلى رأس المال، فإذا زاد شيءٌ عن رأس المال تقاسماه، ومن الطبيعي أن الأصل في المضاربة إحتساب الصفقات مجموعاً لا متفرقة، إلا إذا كان هناك الإتفاق بينهما بخلاف ذلك.

أما قاعدة (جبران الخسارة بالربح) فبناءاً عليها نقول بملك العامل للربح بمجرد ظهوره، لكن على نحو الملك المتزلزل، فإذا تبيّن بعدئذ وجود خسارة في أصل المال تنتفي ملكيته له، فلو باع العامل حصته من الربح فور تحققه ثم بانت خسارة رأس المال، فما هو حكم البيع؟

هناك قولان:

أولهما: صحة البيع، وعلى العامل جبر التلف والخسران من مالٍ آخر.

ثانيهما: بطلان البيع من أصله، لأن العامل باع ملكاً غير مستقر، وبعبارة أخرى فهو باع بشرط إستقرار الملك – وإن لم يصرح بهذا الشرط - وحيث لم يستقر الملك بظهور الخسران بطل البيع.

ويبدو أن الحق هو القول الثاني الذي ذهب إليه أكثر المعلقين على العروة وعلى رأسهم السيد البروجردي قدس سره، خلافاً للسيد اليزدي قدس سره.

ويبدو لي أن منشأ الخلاف في المقام الإختلاف في فهم معنى جبر الخسارة بالربح، فهل يعني جبره من أي مالٍ أم أنه يعني عدم إستقرار الملك من أصله، قال السيد اليزدي في ذلك: "إذا باع العامل حصته من الربح بعد ظهوره صح مع تحقق الشرائط‌ من معلومية المقدار و غيره و إذا حصل خسران بعد هذا لا يبطل البيع بل يكون بمنزلة التلف فيجب عليه جبره بدفع أقل الأمرين من مقدار قيمة ما باعه و مقدار الخسران‌"[2] .

 

جبر تلف رأس المال

أما المسألة التي كثرت شعبها والخلاف فيها، فهي فيما لو تلف رأس المال فهل يجبر التلف بالربح أم لا؟

في المقام أكثر من صورة:

فتارةً يتلف رأس المال عبر الصفقات التجارية، كما لو خسر رأس المال في ضمن التداول التجاري، فمن الواضح أن أصل المال يجبر به، لأن هذا هو معنى الربح والخسارة، فلا يسمى الربح ربحاً إلا بعد إتمام الصفقات، ولو فرض خسران جميع المال في بعض الصفقات مع وجود الربح في سابقاتها فلا يسمى الباقي ربحاً، ولم يشكك في ذلك أحد من الأعلام.

وتارة يتلف رأس المال قبل البدء بالعملية التجارية كما لو سرق المال أو تلف بآفة سماوية، فلا معنى حينئذ لجبرانه، ولكن قيل أن ذلك يتصور فيما لو قام العامل بالتعامل بالذمة حتى ربح مالاً أزيد من أصل رأس المال، فيعتبر مقدار التالف رأس مال والباقي ربحاً.

وفيه: مع صعوبة تصور هكذا عاملٍ، فلا علاقة لهذه الأموال برأس المال التالف، وحين يتلف المال فتنتفي المضاربة لإنتفاء موضوعها.

وتارة يكون تلف المال قبل الدوران في التجارة، كما لو تلف نصف المال قبل أن يدخله في الحركة التجارية بسبب آفةٍ سماوية أو إعتداء، فلو ضارب بالنصف الثاني فهل يحسب أصل المال ما ضارب به بعد التلف أم يحتسب رأس المال قبل أن يتلف المال؟

قال بعضٌ بأنه يحتسب الجميع، فالعقد قد تم على الجميع وعليه بني العقد، فلا شأن حينئذ لنا بالمقدار الذي عمل به، وإستندوا في ذلك على قاعدة جبران الخسارة بالربح.

وفيه تأمل، إذ لا إطلاق لفظي لهذه القاعدة كي يتمسك به، كما أن الحكم هذا ليس مما تعارف عليه الناس، وحيث لا نص ولا عرف، فالعمل به مشكل وغريب، لأن الإنسان إنما يخسر ماله لا مال غيره، فإذا فرض نزول آفة سماوية قبل عقد المضاربة فالتلف من مال المالك لا العامل، وكذا فيما نحن فيه المفروض عدم قيام العامل بالتجارة بعدُ ولا هو سببٌ في إتلاف المال ليقال بضمانه.

وبكلمة: أن نضمّن أحداً خسارة غيره مفتقرٌ إلى دليل، ولا تسمع دعوى كونه ضمن المضاربة بعدما عرفت بعدم مدخلية العامل في الخسارة وعدم شروعه بالتجارة.

وقد ذهب أغلب الفقهاء إلى ذلك ـ سوى ما ظهر من المحقق الأردبيلي الذي شكك في المسألة ـ تبعاً للعلامة قدس سره الذي لم يذكر المسألة بهذا الوضوح، وإنما ظهر منه التردد فيها، وبحسب دراستي للقضية أن حكمهم في المقام إما كان بسبب العمل بإطلاق قاعدة جبران المال من الربح، أو كون المسألة مبنية على ما لو حصل التلف بسبب التجارة كما لو تلف المال بالسفر للتجارة حيث ظهر ذلك من كلمات البعض، وحينئذ فلا إشكال في التضمين، وهذا يختلف عما لو تلف المال بسبب آفةٍ سماوية.

 

بيان السيد اليزدي قدس سره

قال قدس سره: "لا إشكال في أن الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ‌سواء كان سابقا عليها أو لاحقا (فقد تكون الخسارة سابقة على حصول الربح وقد تكون لاحقةً لتتابع الصفقات) ما دامت المضاربة باقية ولم يتم عملها، نعم؛ قد عرفت ما عن الشهيد من عدم جبران الخسارة اللاحقة بالربح السابق إذا اقتسماه و أن مقدار الربح من المقسوم تستقر ملكيته و أما التلف فإما أن يكون بعد الدوران في التجارة أو بعد الشروع فيها (بأن يجعل قسماً من المال في التجارة لا كله) أو قبله (قبل الدوران) ثمَّ إما أن يكون التالف البعض أو الكل و أيضا إما أن يكون بآفة من الله سماوية أو أرضيه (وهذا التشقيق ليس من عندنا لذلك إستدعى أن يبينها الفقهاء مع بيان عدم الفرق في الحكم فيها) أو بإتلاف المالك (وهذا يختلف فإذا أتلف المالك ماله فكيف نحمل العامل جبرانها؟) أو العامل أو الأجنبي على وجه الضمان فإن كان بعد الدوران في التجارة فالظاهر جبره بالربح و لو كان لاحقا مطلقا سواء كان التالف البعض أو الكل كان التلف بآفة أو بإتلاف ضامن من العامل أو الأجنبي"[3] .

فالسيد يرى أن الربح يجبر المال في كل تلك الصور، ونحن نقول نعم؛ يجبر إذا كان التلف بسبب الدوران في التجارة، أما إذا كان التلف بسبب آفة سماوية فلماذا القول بالجبران؟ هل ذلك لقاعدة جبران الربح للخسارة؟ ففيها أنها مستنبطة وأصلها هو أن التجارة لا تحسب أرباحها وخساراتها إلا بعد الإنتهاء منها، وهذا لا علاقة له بالتلف السماوي، والله العالم.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.


[1] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص201.
[2] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص201.
[3] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص202.