الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ملك العامل للربح 3 (إستقرار الملك) / أحكام المضاربة

 

"وعلى ما ذكرنا يترتب عليه جميع آثار الملكية من جواز المطالبة بالقسمة و إن كانت موقوفة على رضا المالك و من صحة تصرفاته فيه من البيع و الصلح و نحوهما و من‌ الإرث و تعلق الخمس و الزكاة و حصول الاستطاعة للحج و تعلق حق الغرماء به و وجوب صرفه في الدين مع المطالبة إلى غير ذلك‌"[1] .

 

لازال الحديث عن ملك العامل للربح الحاصل بالمضاربة، وقلنا أن مشهور الإمامية بل إجماعهم على أن العامل يملك الربح بتحققه، أو حسب تعبيرهم بظهوره، إلا أنه لا يكون مستقراً لكونه وقايةً لرأس المال، وإمكان خسارته في الصفقات المتتالية، فلابد أن يجبر النقصان بالربح، ولهذا السبب تفاوتت كلمتهم في وقت إستقرار الملك.

ويبدو أن سبب الإختلاف في الآراء يعود إلى تصدي علماء العامة لشؤون الناس الفقهية ورجوع الناس إليهم في مختلف المسائل ليقضوا لهم فيها، فربما قيدوا قيوداً وحدوا حدوداً منعاً للنزاع، حسب ولايتهم أو نصيحتهم، ولكنها تحولت بمرور الزمن إلى فتاوى ثابتة، وإنتقلت هذه الفتاوى إلى بعض علمائنا لأنهم أرادوا بيان رأي الإمامية في المسائل ذاتها ويفتوا للناس فيما يعملون، وإن كانت العلة في فتواهم تختلف عن فتوى الآخرين.

وكيف كان، فالمضاربة عقدٌ بين طرفين ولا أدلة شرعية نصية كثيرة فيه، فما يقوله الفقهاء يمكن حمله على الإرشاد والنصح، أما إعتباره فتوىً قاطعة، فذلك بحاجة إلى دليل خاصٍٍ وهو مفقود، وعام وهو قليل الشمول للمقام، فيرجع حينئذٍ إلى الأصول العامة في العقود مثل التراضي بين الطرفين، أو ما إعتمداه من العرف.

ولذا فنحن نقول في مثل هذه الأمور بالرجوع إلى المتفق عليه بينهما، أو العرف المتبع من قبلهما، ومع إختلاف الأعراف فالمتبع هو العرف الخاص.

وقد أجاد السيد اليزدي قدس سره الحديث في هذه المسألة، غير أنه لما دخل في التفاصيل الدقيقة والإستدلال عليها، حدث الخلاف بين المحشين والمعلقين إستدلالاً، قال: "و على ما ذكرنا يترتب عليه جميع آثار الملكية من جواز المطالبة بالقسمة و إن كانت موقوفة على رضا المالك (إن قلنا بجوازه كما سيفصل السيد في ذلك لاحقاً) و من صحة تصرفاته فيه من البيع و الصلح و نحوهما (مثل الإجارة والرهن) و من‌ الإرث (وإن لم يكن الملك مستقراً) و تعلق الخمس و الزكاة و حصول الاستطاعة للحج (حيث تشمله الآية إذا قلنا ان الملكية غير المستقرة توجب الاستطاعة) و تعلق حق الغرماء به (إن حجر عليه بالفلس) و وجوب صرفه في الدين مع المطالبة إلى غير ذلك‌ (مثل النفقة لإرتفاع الإعسار عنه بالملك)"[2] .

 

الملك متزلزل

قالوا أن الملك الحاصل بتحقق الربح ملكٌ متزلزل متوقف على عدم خسران رأس المال، وهو صحيحٌ ولكن يرجع هذا أيضاً إلى الإتفاق بين الطرفين، فلو إشترط العامل على صاحب المال أخذ الربح الحاصل كلما ظهر، من دون النظر إلى رأس المال صح العقد، ولو قيل بأن المضاربة تقتضي خلاف ذلك، قلنا العقد صحيح وإن لم نسمه مضاربةً، وكذا تصح المضاربة لو إشترطا الأمد في وقاية الربح لرأس المال كالسنة مثلاً، فلا يكون بعدئذٍ واقياً له.

وبكلمة: نتسائل هل يمكن أن تكون هناك إشتراطات وتوافقات خارجة عن الإطار المعهود أم لا؟

فنقول: يمكن ذلك، بإعتبار الإطار راجع إلى العرف، ويمكن لطرفي العقد أن لا يلتزما به.

ولكن لو لم نلحظ التوافقات الفردية التي تكون إستثناءاً عادةً، فلابد من رسم حدودٍ للمضاربة العرفية، بأن الربح وقاية لرأس المال لعدم صدق الربح مع الوضيعة في الأصل، ومن هنا قال السيد قدس سره: "مسألة: الربح وقاية لرأس المال‌ فملكية العامل له بالظهور (وهو التحقق) متزلزلة فلو عرض بعد ذلك خسران أو تلف يجبر به إلى أن تستقر ملكيته و الاستقرار يحصل بعد الإنضاض و الفسخ والقسمة (وأضاف البعض على ذلك التسليم)"[3] .

أما إعتبار الإنضاض الذي هو تحول المال إلى نقود، فهو راجعٌ إلى التوافق أيضاً، فبالإمكان الإتفاق على الشركة في العروض، نعم؛ على القول بعدم إنتهاء المضاربة إلا بالإنضاض يمكن إعتباره في إستقرار الملك، وهذا ما علّق به السيد جمال الدين على العروة بقوله (إذا إشترطنا الإنضاض).

أما إعتبار الفسخ فهو التعبير الشائع وفيه نوعٌ من الغموض، ومرادهم منه هو إنتهاء المضاربة، سواءاً بإنتهاء المدة أو الفسخ أو التقايل[4] ، والحق أن هذا هو الأصل في إستقرار الملك، فمادمنا نعتبر الربح وقايةً لرأس المال فلابد أن تنتهي المضاربة أولاً.

ولكن من الممكن أن يتفق المتضاربان على تجديدها كل سنة، فإذا كان الأمر كذلك فالمرجع توافقهما.

أما القسمة فإعتبارها ليس موضع وفاقٍ، فلو أنهيا المضاربة أو إنتهت وكان مقدار كلٍ منهما معلوماً فلا حاجة إلى القسمة بعدئذ، لإمكان الإتفاق على جعل الربح شركةً في تجارةٍ أخرى، نعم المتبع عادةً هو القسمة بعد إنتهاء المضاربة ولذا إعتبروها في إستقرار الملك.

وأضاف بعض الحنفية قيداً آخر هو قيد التسليم، حيث قالوا بعدم إستقرار الملك إلا بعد التسليم الذي جاء نتيجة كل ما سبق، ولكن الذي يبدو أنها إحتياطات إضافية.

ثم قال السيد قدس سره: "فبعدها إذا تلف شي‌ء لا يحسب من الربح بل تلف كل على صاحبه و لا يكفي في الاستقرار قسمة الربح فقط مع عدم الفسخ بل و لا قسمة الكل كذلك و لا بالفسخ مع عدم القسمة (فلو انتهت المضاربة ولكن لم تتم القسمة، فإذا قلنا بوجوب تسليم العامل رأس المال للمالك فكيف يسلم قبل التقسيم؟ أما إذا قلنا بعدم وجوب التسليم، بل يتحول المال عنده إلى أمانة فمادامت كذلك فيمكن تأخير القسمة وإذا تلف المال والحال هذه بغير تفريط فلا يكون عليه شيء لأمانته) فلو حصل خسران أو تلف أو ربح كان كما سبق فيكون الربح مشتركا و التلف و الخسران عليهما و يتمم رأس المال بالربح (هذا صحيح مادامت الصفقات موجودة أما إذا انتهت وكان المال عند العامل مجرد أمانة برضا الطرف المقابل فلا شيء عليه) نعم لو حصل الفسخ و لم يحصل الإنضاض و لو بالنسبة إلى البعض و حصلت القسمة فهل تستقر الملكية أم لا (يرجع ذلك إلى إعتبار الإنضاض، فبعض الأحيان الإنضاض معتبر بحسب الإتفاق، وبعض الأحيان يرتضي الطرفان بالعروض ولذا قال السيد:) إن قلنا بوجوب الإنضاض على العامل فالظاهر عدم الاستقرار و إن قلنا بعدم وجوبه ففيه وجهان أقواهما الاستقرار (وهو الأقوى فعلاً) و الحاصل (الذي كان ينبغي على السيد ذكره أولاً للبناء عليه) أن اللازم أولا دفع مقدار رأس المال للمالك ثمَّ يقسم ما زاد عنه بينهما على حسب حصتهما فكل خسارة و تلف قبل تمام المضاربة يجبر بالربح و تماميتها بما ذكرنا من الفسخ و القسمة‌"[5] .

فالأصل في إستقرار الملك هو تمام المضاربة، أما الحديث عن تماميتها فيمكن أن يكون بصورة دون أخرى بحسب إتفاق الطرفين أو إختلاف الأعراف، والله العالم.


[1] العروة الوثقى:ج2، ص664.
[2] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص196.
[3] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص196.
[4] . بناءاً على القول بلزومها وإن في بعض الصور. [المقرر].
[5] . العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص197.