الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: زمن ملكية الربح / أحكام المضاربة

 

"يملك العامل حصته من الربح بمجرد ظهوره‌ من غير توقف على الإنضاض أو القسمة لا نقلا و لا كاشفا على المشهور بل الظاهر الإجماع عليه ‌لأنه مقتضى اشتراط كون الربح بينهما و لأنه مملوك و ليس للمالك فيكون للعامل‌.."[1] .

في كتاب المضاربة مسائلٌ تضاربت فيها الأقوال، ومنها ما بحثناها في البحث السابق وبقي الحديث عن ملكية العامل للربح وهي زيادة القيمة في الأعيان، فهل تعتبر الزيادة ربحاً يقسم على الطرفين أم الربح مقتصرٌ على النماء؟

من الواضح أن المراد من الزيادة هي الزيادة الحقيقية دون الوهمية الحادثة بسبب التضخم، فإذا قلّت قيمة النقد وزادت قيمة العين – شأنها شأن سائر الأعيان- فلا يعد ذلك ربحاً، بخلاف الزيادة الحقيقية التي لم تنشأ من فقدان النقد لقيمته.

وقد إستغرب السيد اليزدي قدس سره ما ذهب إليه صاحب الجواهر قدس سره من عدم إعتبار الزيادة ربحاً لكونها أمراً إعتباريا والإعتبار وهمٌ لا أساس له.

من هنا؛ ينبغي علينا الحديث عن ماهية زيادة القيمة في الأعيان، فهل هي مجرد إعتبار أم حقيقة؟

حين تتوفر البضاعة بكثرة ويقل الطالبون لها تقل قيمتها، وتزداد بإزدياد الطلب وقلة الوجود، فلماذا يقل الطلب ويزداد؟

يعود ذلك إلى أسباب ٍمختلفة، منها معلومٌ كتقلب الأجواء فيما يرتبط بالإقبال على الثياب الموسمية، أو منع الحكومات إستيراد البضائع فترتفع القيمة، أو وجود ظروف إستثنائية كالزلازل والفيضانات تفرض الطلب على نوعٍ معين من البضائع فيرتفع قيمتها، أو وجود سيولة مالية للناس تجعلهم يقبلون على شراء الأمتعة ومنها الكماليات، ومنها أسبابٌ مجهولة.

فزيادة القيمة يعود إلى سببٍ واقعي، وقانون التوازن بين العرض والطلب يعد من أبجديات علم الإقتصاد، وعدم معرفة الأسباب في إرتفاع القيم لا يعني عدم وجودها.

ومن هنا فالقول بأن زيادة القيمة مجرد إعتبار غير تام، بلى؛ الزيادة إعتبارٌ عقلائي ولكن ورائه حقٌ وواقع، فما ذهب إليه صاحب الجواهر غير دقيق.

والحاصل: إن لم تكن الزيادة بسبب التضخم فهي ربحٌ سواء في المضاربة أو في الحقوق الشرعية أو ما أشبه.

متى يملك الربح؟

إختلفت كلمتهم في زمان إمتلاك العامل للربح، ولكن الأشهر هو ملك العامل للربح بمجرد تحققه ثبوتاً لا إثباتاً بالظهور، فلو تحقق الربح يوم السبت وظهر بعد يومين تحققه في السبت، فالعامل يملكه من حينه، ويظهر الفرق فيما لو كانت سنته الخمسية حينئذ فيجب أن يحتسبها، وعلى هذا القول يحمل قول من إعتبر التملك بظهوره.

وقيل: الربح يملك بعد إنتهاء المعاملة ونضوض المال والقسمة بينهما.

وبيان الفرق بين القولين بحاجة إلى بعض البحث:

الربح في المضاربة يصدق على تحققه في صفقات مختلفة، فمن الممكن أن يربح العامل في بعض الصفقات ويخسر في بعضها، وإنما يقال تحقق الربح إذا تمت جميع الصفقات وفاض منها ربحاً، لأننا في المضاربة مقيدون بقيد سلامة رأس المال، فلو خسر رأس المال في بعض الصفقات فلا ربح إلا بعد عودته.

من أجل ذلك قالوا بأن تمام المدة أو الفسخ هو الذي يوجب الملك، وقيل أن مجرد ذلك لا يكفي، بل لابد من إنضاض المال، وقيل بعدم كفاية ذلك أيضاً بل لابد من حصول القسمة كي يملك العامل الربح.

وهناك شبه إجماع عند الإمامية بأن العامل يملك الربح بمجرد تحققه، ولكن على نحو الملك المتزلزل، لكون الربح وقايةً لرأس المال، فمجرد تحققه لا يصيّره ملكاً مستقراً، ولذلك إختلفوا في وقت إستقراره، هل هو بالإنضاض أم الفسخ أم القسمة والتسليم؟

أما الحنفية والمالكية فإشترطوا وصول المال إلى المالك لأجل تحقق أصل الربح.

والحق: أن المضاربة عقدٌ بين الطرفين، ومادامه كذلك فمشيئة المتعاقدين تحكمه، فإما أن يتفقا على كل شيءٍ أو يعتمدا على عرفٍ سائد.

والعرف يرى تارةً بتملك العامل للربح بمجرد ظهوره، وهكذا يرى العامل نفسه رابحاً حتى قبل الإنضاض، أما إستقراره فذلك يعود إلى التراضي إما بأن يتفقا على القسمة في كل معاملة أو كل أسبوع أو شهرٍ أو سنة، وإما بأن يجعلا ذلك حين القسمة، وإما أن يجعلا ذلك بالإنضاض قبل القسمة، ليتسنى للعامل مثلاً الإشتراك بحصته في رأس المال – مثلاً-، وإما أن يتفقا على الإستقرار بمجرد الفسخ نضّ المال أو لم ينض، حيث يقتسما المال والعروض الزائد عن رأس المال.

فالتوافقات بإختلاف صورها، سواء منها الصريحة أو الضمنية بالإعتماد على العرف، هي المتبعة، والظاهر أن العرف اليوم يجعل القسمة في كل سنة.

نعم؛ للفقيه أن يوصي بما يمنع من الإختلاف، كما لو أوصى بإعتبار القسمة وقتاً لثبوت الملك، ولكن ذلك على نحو الإرشاد لا أزيد، فلا دليل شرعي قاطع بحكم الفقيه في هذا الأمر.

ونذكّر بما قلناه سابقاً بأن أغلب المسائل التفصيلية في باب المضاربة وكذا في المزارعة والشركة وغيرها، أصلها عند مذاهب العامة، حيث كانت فتاواهم بسبب تصديهم لشؤون الناس ورجوع الناس إليهم، والعلماء إنما بحثوها وأفتوا فيها من جهة إطلاقات العقد لا مقتضياتها وحقيتها.

قال السيد اليزدي قدس سره: "يملك العامل حصته من الربح بمجرد ظهوره‌ من غير توقف على الإنضاض أو القسمة لا نقلا و لا كاشفا (فالإنضاض والقسمة ليسا سببا للملك لا نقلاً لها ولا كشفاً عنها) على المشهور بل الظاهر الإجماع عليه ‌لأنه مقتضى اشتراط كون الربح بينهما (وذلك يكون متى تحقق) و لأنه مملوك و ليس للمالك فيكون للعامل‌ (فمادامه مملوكٌ ولغير المالك فهو للعامل) و للصحيح: رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه و هو لا يعلم قال يقوم فإن زاد درهما واحدا انعتق و استسعى في مال الرجل‌"[2] .

ونقل العلامة قدس سره، في التذكرة أقوالاً أخر في المسألة يبدو أنها أقوال علماء المذاهب الأخرى، وبمراجعتي لأقوال أتباع المذاهب الأخرى وجدتها مشابهة بل وممكن حملها على قول الإمامية، بالقول بملك العامل للربح بمجرد الظهور دون أن يكون مستقراً قبل القسمة، والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


[1] العروة الوثقى-ط جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص194.
[2] العروة الوثقى-ط جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص194.