الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الشرط الخارج عن المعاملة و متى يملك العامل الربح؟ / أحكام المضاربة

 

هناك فرعٌ لا يزال الحديث عنه، يرتبط ببعض الشروط اللاحقة بالمضاربة، حيث تسبب هذه الشروط فساد المضاربة نفسها، وهي الشروط المجهولة، كما لو قال المالك للعامل أعطيك مليوناً قراضاً ولك نصف الربح بشرط أن أعطيك مليوناً آخر بضاعةً كما مثّل الشيخ الطوسي بذلك، فهذا الشرط مجهول لجهالة ما يحصل عليه من ربح من جهة ولجهالة ما يستحقه هو من جهة أخرى، فمادامه مجهولاً تسري الجهالة إلى المضاربة، وبذلك تكون باطلة، لأن كل عقدٍ فيه جهالة غررية فهو باطل شرعاً.

نقول:

أولاً: ليس كل شرطٍ مجهولٍ كما ذكروا فإن من الشروط ما هي معلومة، وهي لا تسبب غرراً، كما لو إشترط عليه أن يرسله إلى الحج فلا يبطل فإن قيمة مثل ذلك معروفة عادة.

ثانياً: قد يكون الشرط المجهول فاسداً دون أن يكون مفسداً، وهنا لابد أن نتحدث عن الشروط في عموم العقود، وأن الشروط في العقود على قسمين، فمنها ما هو هامشيٌ في العقد ويبقى التراضي بإنتفائه، ومنها جوهريٌ ينتفي الرضا بإنتفائه، كما لو إشترى مصحفاً شريطة أن يكون مخطوطاً بخط هاشم فتبين أنه مطبوعاً، فهنا الشرط جزءٌ من التراضي لغرضه بالمصحف المخطوط، والعقد قائمٌ على أساسه وبإنتفائه يرتفع الرضا.

أما إذا كانت الشروط جانبية فتسبب الخيار أو التعويض، وفسادها لا يسري إلى أصل المعاملة.

وبلحاظٍ آخر يمكن تقسيم الشروط إلى ما كان ترغيباً وما كان جزءاً من المعاملة، فإذا قال له مليون للمضاربة مشروطاً بالعمل بمليون بضاعة، فالشرط هنا جزءٌ من المعاملة، بخلاف ما لو شرط عليه أن يكون إبرام العقد في مكتبه، فهو بمثابة تكوين داعي لا أكثر، والشروط الترغيبية لا تسبب فساد المعاملة حتى على القول بالمنع من الشروط الخارجية في المضاربة، لأنها تكون على نحو الداعي ليس إلا.

وللشيخ الطوسي قولٌ وقع محل بحث الفقهاء – ومنهم السيد اليزدي قدس سره في عروته – حيث ذهب الشيخ بعد قولين إلى قولٍ ثالث مفاده صحة الشرط والمضاربة مع عدم وجوب الوفاء به.

وأشكل عليه بأن المضاربة من أصلها جائزة – عند الأكثر – فما معنى الشرط الجائز في الجائز، وهنا يبدع السيد اليزدي قدس سره حيث يقول: المضاربة جائزة لكلٍ منهما الفسخ ولكن ينفسخ العقد من حين إرادة الفسخ، أما إذا إشترط عليه شرطاً ولم يلتزم به، وبعد فترةٍ علم المشروط له بعدم وفاء المشروط عليه بالشرط فله الفسخ ولكن الفسخ هنا يكون من الرأس، بينما في الفسخ الأول – بإعتبارها جائزة – فهو من حينه.

وبهذا التفصيل يوجّه السيد اليزدي قدس سره كلام الشيخ الأخير، بالتفريق بين جواز العقد من أصله وجواز الشرط فيه.

 

القول في الربح

إختلفت أقوال الأعلام في الربح، وقبل بيان الأقوال المختلفة ومناقشتها نبين السبب في إختلافها في ملكية الربح، ويعني لو ربح المضارب ربحاً جيداً بعد فترة وجيزة، فمتى يملك العامل الربح، هل هو بمجرد حصوله أم عند الفسخ أم عند التقسيم؟

المشهور عند الإمامية هو تملكه بمجرد ثبوت الربح حتى وإن علم بظهوره لاحقاً، وهذا قول بعض المذاهب الأخرى، مع إختلاف آخرين فالمالكية لهم قولان أشهرهما عدم تملك الربح إلا بعد القسمة، وكذا للحنفية قولين.

وهناك من الإمامية من توقف في المسألة، والسبب في هذا الإختلاف كما ظهر لي هو أن الربح يصبح وقاء لرأس المال، بمعنى أن البضاعة لو صعدت في يومٍ ثم نزلت في يومٍ آخر بأدون مما كانت في اليوم الأول، فهنا لا يهمنا الربح السابق، بل يهمنا الحفاظ على رأس المال، فلابد من تعويض الخسارة أولاً، أما بالقول بأنه يملك من أول ظهوره فلا نقول حينئذٍ بتعويض الخسارة في رأس المال، ولذلك قال بعضهم بأنه يملك من حين ثبوته ولكنه ملكٌ غير مستقر لابد أن يرجع إلى رأس المال.

وهذا حسبما يبدو هو السبب الأساسي للخلاف في المسألة، ولكن يمكن أن يقال بأن الربح ثابت من حين ظهوره ولكن يمنع العامل من أخذه إلا بعد الوفاء لرأس المال، أو يقال أنه يملكه ملكاً غير مستقراً، أما أن نقول أنه لا يملك فمن يملكه إذاً؟ هل يملكه المالك والحال أنه لا يملك سوى حصته من الربح، أم هل يبقى الربح بلا مالك ولا يكون ذلك؟

ويمكن أن تكون لهذه المسألة توابع في مجالات أخرى أيضاً، كما لو حلت السنة الخمسية للعامل، فهل يحتسب الربح الذي ظهر في مال المضاربة من ماله أم لا؟ فالعرف يرى أنه ربح فلابد أن يحتسبه وإن لم ينض المال، وهناك نصوص تشير إلى ملك العامل حصته من الربح بمجرد حصوله، وهي قد وردت في سياق العامل إذا إشترى أباه وظهر الربح، فيحرر الأب من حصة إبنه في الربح – لقانون غلبة الربح – وإن كانت الحصة ضئيلة ويستسعى في حصة المالك، ففي الصحيح الذي رواه المشايخ الثلاثة عن محمد بن ميسر قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام رَجُلٌ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى أَبَاهُ وَ هُوَ لَا يَعْلَمُ فَقَالَ: "يُقَوَّمُ فَإِذَا زَادَ دِرْهَماً وَاحِداً أُعْتِقَ وَ اسْتُسْعِيَ[1] فِي مَالِ الرَّجُلِ"[2] .

أما التقييد بعدم العلم فربما لإختلاف الحكم فيما لو كان عالماً بالموضوع أو الحكم، وكيف كان فالرواية صحيحة سنداً وواضحة دلالةً حيث حررت الرجل من حصة العامل من الربح.

 

الأقوال في المسألة

ذكر العلامة أن في المسألة أربعة أقوال: فهل رأيه أنها جميعاً منسوبة إلى الإمامية أم لا؟

الذي يبدو أن العلامة يذكر في التذكرة أقوال علماء بعض مذاهب العامة مضافاً إلى أقوال علماء المذهب، وعلى أي حال فالأقوال ـ مضافا إلى ما ذكرناه ـ هي:

الأول: أن الربح يملك بالإنضاض، إذ قبل الإنضاض لا يكون الربح خارجياً يمكن تملكه بل هو مقدرٌ في الذهن، فلا تكفي الزيادة الإعتبارية.

الثاني: أنه يملك بالقسمة، فمتى ما أراد المالك والعامل التقسيم ملك الربح، وهذا راجعٌ إلى أن القول بتملك العامل الربح بمجرد حصوله يمنع من كون الربح وقايةً لرأس المال.

الثالث: القسمة كاشفة عن الملك سابقاً لأنها توجب إستقراره، ومعنى ذلك أن الربح حاصلٌ من حين ظهوره ولكن حين القسمة نكتشف وجوده، وبتعبير آخر الملكية من حين الظهور ليست ملكية مستقرة فتستقر بالقسمة.

 

وقد أكّد بعض الفقهاء من الإمامية على القول الثاني، حيث إعتبروا الزيادة الإعتبارية كلا زيادة، فزيادة القيمة الإعتبارية لا يعتبر ربحاً حقيقة، وهذا القول يحملنا على البحث عن زيادة القيمة، هل هي حقيقة أم وهم؟

نحن نقول: بل هي حقيقة، لأنها جائت بسبب إعتبار الناس، فحين يبرد الطقس يقدم الناس على محلات الثياب الشتائية نشهد زيادة في قيمتها، فزيادة القيمة لها سبب سواءاً كان معلوماً كما المثال أو مجهولاً، فهناك حقيقة هي منشأ للإعتبار وإن لم نعرفه، بل الخبرة تكون في إكتشاف الواقع الذي سيغير الإعتبارات مستقبلاً فيقدمون على تجارات معينة.

نعم؛ تلاحظ أنواع زيادة القيمة فيما يرتبط بالخمس، لأن الزيادة قد تكون زيادة حقيقية لقيمة الشيء، وقد تكون بسبب النقص في قيمة الدرهم والدينار[3] ، والثاني ليس زيادةً في القيمة وهو المسمى بالتضخم، ونقص قيمة العملة قد يكون بفك الإرتباط بينه وبين سائر العملات المعتبرة، أو طباعة الأوراق النقدية دون رصيد.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.


[1] ورد لفظ ( إستسعى ) بدل ( إستسعي ) بالمبني للمجهول في بعض المصنفات، وبناءاً على الأول يكون المعنى أن العامل مكلفٌ بالسعي لعتق أبيه. [المقرر].
[2] الكافي-ط دارالحديث، الشيخ الكليني، ج10، ص308.
[3] أو العملة المتداولة في البلد. [المقرر].