الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي
بحث الفقه
39/05/05
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: إشتراط أمرٍ خارج المضاربة / أحكام المضاربة
"إذا شرط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالا أو عملاكأن اشترط المالك على العامل أن يخيط له ثوبا أو يعطيه درهما أو نحو ذلك أو بالعكس فالظاهر صحته"[1] .
لما كانت المضاربة ترتبط بأكثر من بابٍ فقهي ولما إختلفت موضوعاته وتشعبت، خصص بعض العلماء فصلاً تحت مسمى (أمور المضاربة) يبحثوا فيها تلكم المسائل المتفرقة التي لا تتعنون بعنوان واضح، ولكن السيد اليزدي قدس سره فقد نثرها في عروته عبر مسائل تبلغ الثمانين، بحيث تكون كل مسألة في موضوعٍ قد يكون مغايراً عما سبقه وما يلحقه، ومن تلك المسائل المبحوثة ما نعنونه بـ:
إشتراط أمرٍ ضمن عقد المضاربة[2]
هناك شروطٌ خارجية لا ترتبط بأصل المضاربة، وكان وجودها محل خلافٍ بين الفقهاء، فمنهم من صححها ومنهم من قال بصحتها مع عدم لزومها لجواز أصل العقد، ومنهم من قال بفسادها، ومنهم من إعتبرها فاسدةً ومفسدة لأصل العقد، ولكي نستوضح المسألة لابد أن نذكّر بالمباني المعتمدة عندنا في باب المضاربة والمرتبطة بالمقام:
الأول: كل شرطٍ خالف جوهر العقد فهو باطل، ولا إشكال في شرطٍ يخالف إطلاق العقد، فمن تزوج وشرط عليه عدم المباشرة، فقد شرط ماهو مخالفٌ لجوهر العقد، إذ جوهر النكاح ومقتضاه المباشرة وبناء الأسرة، وكذا من باع بشرط عدم تمليك المشتري العين، أما إذا كان الشرط مخالفاً لإطلاق العقد بحيث لو خلي العقد وطبعه كان العقد على ذلك النحو، فممكن أن يشترط خلافه.
الثاني: الأصل في العقود عندنا على الصحة لا الفساد، نعم؛ ليس هو الأصل الأولي بل الأصل الذي يفهم من إطلاقات النصوص مثل قوله سبحانه: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُود﴾[3] وقوله سبحانه: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ﴾[4] ، وكذا قوله صلى الله عليه وآله: "الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ"[5] ، فكل ما سمي عقداً أو تجارةً عن تراض شملته عمومات الوفاء.
الثالث: يجب في الشروط في أي عقدٍ – ومنها المضاربة - الوضوح وعدم الجهالة، كما يعتبر عدم الجهالة في سائر جوانب العقد، لكيلا يكون سبباً لنشوء الخلاف، وقد نهى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله عن الغرر، وقد عمل بهذا النص العلماء في مختلف الأبواب بالرغم من عدم صحة سندها بالمعنى المعروف، هذا مضافاً إلى مبطلية الجهالة في العقود.
وبتطبيق هذه المباني على هكذا شروط في المضاربة نتسائل هل يصح إشتراط عملٍ أو شيء آخر في عقد المضاربة كأن يشترط المالك أن يدير العامل له عملاً آخر، أو يعمل له بضاعةً أو بالعكس بأن يشترط العامل على مالك شرطاً ما، فهل تصح هذه الشروط أم لا؟
قال بعض الفقهاء[6] بعدم الصحة لسببين:
الأول: أنا لم نعهد شروطاً كهذه، فهناك شروط داخل إطار العقد مثل شروط العباس عم النبي صلى الله عليه وآله على العاملين، أما الشروط الخارجة فلم نعهدها، وحيث نشك بالمضاربة بهذه الشروط نقول بالفساد لأصالة الفساد في العقود.
وفيه: أن الأصل في العقد هو الصحة لا الفساد، فالعقد بهذه الشروط إن دخل في عنوان العقد صح.
الثاني: الشرط قد يكون مجهولاً كماً وكيفاً وزماناً[7] ، وجهالة الشرط تسري إلى أصل العقد فتبطله.
ونوقش فيه : أولاً: قد لا يكون الشرط مجهولاً كما لو حددت كل جوانبه كشرط إعطائه قرضٍ إلى أجلٍ معين أو أن يرسله إلى الحج وشبهه، وثانياً: مع إفتراض مجهوليته فقد قالوا بوجوب معلومية طرفي العقد (العوض والمعوض والشروط الداخلية) أما الشرط الخارجي فإعتبار المعلومية فيه غير معلوم، بل قيل أن الشرط هنا بمثابة الداعي إلى الإقدام على العقد، كمن إشترط على العامل أن يدير مكتبه مع المضاربة بمليون مثلاً.
نحن نقبل الشق الأول من المناقشة أما الشق الثاني فلا نرتضيه لأن الشرط إن كان غير معلوم الأطراف وسبب جهالة المعاملة لسريان المجهول إلى المعلوم يكون فاسداً ومفسداً للعقد، لأن الإنسان لا يقدم على المعاملة إلا بعد لحاظ جميع جوانبها ومنها الشروط الخارجية فهي تدخل في النهاية في صلب المعاملة وإن بدت خارجاً عنها.
بيان السيد اليزدي قدس سره
قال السيد اليزدي قدس سره: "إذا شرط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالا أو عملاكأن اشترط المالك على العامل أن يخيط له ثوبا أو يعطيه درهما أو نحو ذلك أو بالعكس فالظاهر صحته (وفاقاً للمحقق وصاحب الجواهر وجمعً من الفقهاء) و كذا إذا اشترط أحدهما على الآخر بيعا أو قرضا أو قراضا أو بضاعة أو نحو ذلك (فالشرط عند السيد صحيحٌ يجب الوفاء به) و دعوى أن القدر المتيقن ما إذا لم يكن من المالك إلا رأس المال و من العامل إلا التجارة مدفوعة بأن ذلك من حيث متعلق العقد فلا ينافي اشتراط مال أو عمل خارجي في ضمنه و يكفي في صحته عموم أدلة الشروط (كالمؤمنون عند شروطهم ونضيف عليه عموم أدلة العقد) وعن الشيخ الطوسي فيما إذا اشترط المالك على العامل بضاعة (كما لو قال له ألفاً قراضاً بشرط إعطائك مائةً بضاعةً، ففيه) بطلان الشرط دون العقد في أحد قوليه و بطلانهما في قوله الآخر قال لأن العامل في القراض لا يعمل عملا بغير جعل و لا قسط من الربح و إذا بطل الشرط بطل القراض لأن قسط العامل يكون مجهولا ثمَّ قال و إن قلنا إن القراض صحيح و الشرط جائز لكنه لا يلزم الوفاء به لأن البضاعة لا يلزم القيام بها كان قويا (ويبدو من الشيخ قدس سره تردده في المسألة حيث ذكر أقوالاً ثلاثة في موضعٍ واحد للمسألة حيث ذهب أخيراً إلى صحة المضاربة مع عدم الإلزام به لكون العقد جائزاً، الأمر الذي يعيدنا إلى ما سبق من مناقشة الشروط اللازمة في العقود الجائزة، حيث قلنا حينئذ أن الشرط في العقد الجائز مادامي، فلا يترك الوفاء به إلا إذا أريد فسخ المعاملة، ثم قال المحقق قدس سره: ) و حاصل كلامه في وجه بطلانهما أن الشرط المفروض مناف لمقتضى العقد فيكون باطلا و ببطلانه يبطل العقد لاستلزامه جهالة حصة العامل من حيث إن للشرط قسطا من الربح و ببطلانه يسقط ذلك القسط و هو غير معلوم المقدار و فيه منع كونه منافيا لمقتضى العقد فإن مقتضاه ليس أزيد من أن يكون عمله في مال القراض بجزء من الربح و العمل الخارجي ليس عملا في مال القراض"[8] .
فالسيد قدس سره يمنع من تأثير الشرط في أصل العقد لأنه شرطٌ خارج عن أصل المعاملة فلا تسري جهالته إلى أصل العقد، وقد أشكلنا على ذلك بالسراية عادةً، وقيل بأن هذه الشروط تكوّن داعياً للعقد، نقول: نعم بعض الشروط تكون على نحو الداعي فلا يبطل جهالتها العقد، أما إذا كان الشرط مؤثراً في الرضا في أصل العقد فلا يقال أنه داعياً للعقد، فبذهابه يذهب الرضا، وهذا مايرد على قول الشيخ الطوسي أيضاً، حيث قال بعدم لزوم الوفاء بالشرط، فمع عدم الوفاء به يحدث خلل في الرضا، لأنه قد لا يدخل في المضاربة إلا بسبب الشرط، فربما يقال أنه يكون جزءاً من العقد.
فالقول بكون الشروط الخارجة عن العقد بمثابة الداعي إليها مطلقاً بلا دليل، ومن هنا فالحق مع ما ذهب إليه المرجع السيد الحكيم في المستمسك حيث يقسم الشروط إلى قسمين ويقول: "إذا كان الشرط ملحوظاً عوضا عن العمل فبطلانه يوجب بطلان المعاوضة و حصول الجهالة، لانتفاء المعاوضة بانتفاء أحد طرفيها، و إذا لم يكن ملحوظاً عوضاً فلا جهالة في العوض"[9] .
فتحصل مما مضى: أن الشرط الخارجي المجهول إن سرت جهالته إلى أصل العقد فسد وأفسد، إلا إذا قيل بالتسامح في هذه الجهالة فيها لأن المضاربة من عقود المخاطرة.
والشرط الخارجي يكون فاسداً ومفسداً إن كان الشرط يؤدي إلى الربا، كما في المضاربة الإستغلالية[10] ، والله العالم.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.