الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/04/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: موت المالك / أحكام المضاربة / كتاب المضاربة

 

"قد يقال بعدم الجواز لعدم علقة له بالمال حال العقد بوجه من الوجوه ليكون واقعا على ماله أو متعلق حقه و هذا بخلاف إجارة البطن السابق في الوقف"[1]

كان البحث حول موت المالك وتأثيره في عقد المضاربة من حيث البطلان أو البقاء، وقد قسمنا المضاربة إلى أقسام:

فمنها: ما هي علاقة مباشرة بين إثنين فقط ومرتبطة في ظاهرها بهما، فإذا مات المالك لا تنتقل العلاقة إلى ورثته فتبطل المضاربة.

ومنها: ما تكون المضاربة عبارة عن عقد بين الطرفين لمدة معينة خصوصاً إذا كانت المدة بعيدة كالسنتين أو الثلاث، بل وحال بعض الصفقات مثل ما يرتبط بالعقارات يطول حتى عشر سنين، فالمضاربة في هذه الحالة لا يمكن القول ببطلانها مع موت المالك خصوصاً إذا كان المالك كبيرا ًفي السن وأقدم هو على هكذا معاملة وهو لا يرجو البقاء، فإستمرارية العقد مرتبط بقصدهما بالإستمرار وإن مات أحدهما، فحيث لا تنافي لهذا القصد مع الشرع والعرف فلا إشكال في إبقائها.

ومنها: ما تكون غير محددة بمدة، مثل المساهمات في الشركات وصناديق الإستثمار القائمة حالياً، والتي تستمر لعشرات السنين، وربما يموت كل أطراف العقد ولكن تبقى المضاربة ببقاء الشركة.

وهذا الرأي مبتنٍ على مبنانا بأن كل عقدٍ تابعٍ أولاً لقصد طرفيه ثم العرف الذي يعتمدانه، شريطة عدم مخالفة قصدهما والعرف للحدود الشرعية مثل أن لا يكون العقد ربوياً أو غررياً أو حرجياً وأن لا يكون مخالفاً لبعض الثوابت الدينية الأخرى.

أما على المبنى الآخر بأن كل عقدٍ بحاجة إلى إمضاءٍ خاص، فيشكل القول بالصحة في الفرد المشكوك، فحيث قالوا بأن المضاربة عقدٌ شرعي للإمضاء الصادر من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، بالنسبة إلى مضاربات عمه العباس، لا يعني التعميم على كل مضاربةٍ شككنا في صحتها.

 

البطلان ومناقشة أدلته

ومن هنا قالوا ببطلان المضاربة بموت المالك ودليلهم في ذلك:

الأول: المضاربة عقدٌ جائز وكل عقد جائز ينتهي بالموت.

وفيه:

أولاً: نحن لا نسلم بإنتهاء كل عقدٍ جائز بالموت، فلا دليل على ذلك.

ثانياً: بعدم التسليم بكون المضاربة عقداً جائزاً، فهي بحسب العرف فقد تنتهي بالموت وقد لا تنتهي بحسب إختلاف الأعراف.

 

الثاني: المضاربة إذنٌ مباشر من المالك للعامل، فلما كان خاصاً به لم يعم غيره[2] كوارثه.

وفيه: أولاً: إن علمنا بكونه إذناً خاصاً فنسلم بالبطلان، أما إذا كان الإذن عاماً بأن يكون له ولغيره مثل أولاده أو عاملٍ آخر يستعين به فيشمل الإذن غيره.

ثانياً: ليست المضاربة إذناً وإن تضمنت ذلك، والكثير من العقود بالرغم من تضمنها للإذن ليست إذناً كالإجارة والرهن، وقاعدة (ليس على الأمين إلا اليمين) ناظرة إلى كل مستأمنٍ وهو المأمون، فالمضاربة عقدٌ بمعنى وجود إلتزامات متبادلة فيه، لا مجرد إذن.

 

إذن الوارث

وعلى أي حال، فهل للوارث أن يأذن بإستمرار المضاربة سواء على القول بإنتفائها بالموت مطلقاً، أو في بعض الصور؟ ثم ما الفرق في القول بجواز الإذن أو عدمه؟

يظهر الفرق فيما لو أراد الإستمرار وقلنا بالإذن فلا إشكال، أما اذا منع منه فحينئذ يفتقر إلى عقدٍ جديد مشروط بشرائط المضاربة، بأن يكون المال نضاً لا عروضاً وشبهه، وبناءاً على ذلك حدث الخلاف بين السيد اليزدي وصاحب الجواهر قدس سرهما.

والجواب على ذلك:

نتسائل عن الإشكال في القول بامكان الإجازة هنا؟ يجيب صاحب الجواهر بأن الوارث لا علقة له بالمال المضارب عليه، ويجيبه السيد صاحب العروة علاقته بالمال أنه سيرثه، وهذه العلقة تكفي لكون الوارث إبناً للمورث فسيصير المال إليه، خصوصاً إذا فرض للوارث مدخلية في أصل العقد مشورةً ورأياً، وأيّد المرجع الشيرازي قدس سره السيد اليزدي في إجابته الدقيقة، كما وافقه على ذلك جمعٌ من المحشين وخالفه في ذلك جمع آخر.

وأستشكل البعض على إجابة السيد قدس سره عن كيفية تصور العلاقة؟

فأجاب المرجع الشيرازي قدس سره عنه بأنه إعتبارٌ ولا يسأل فيها عن الكيفية، فهو أمرٌ عقلائي[3] . والأمور الإعتبارية لا تدرس كالقضايا الواقعية، فهذا إبن ذاك ومع موته سيكون هو صاحب المال.

ونحن نضيف: نتسائل ما هي العلاقة للمالك في عقد الفضولي؟ قالوا هناك أن المجيز مالك المال فله علاقة بالعقد وله أن يجيز وأن يمنع، وبالرغم من صحة هذا القول فهل هذا هو السبب الحقيقي في تصحيح عقد الفضولي؟

عندنا: أن الفضولي أقام صورة العقد دون وجود محتوى له، والإجازة هي المحتوى والجوهر، لأن التراضي هو أساس العقود وجوهرها، فكما هناك نقول هنا بأن الأركان الأخرى للعقد[4] قائمة، كأطرافه وشروطه والإلتزامات المتبادلة، ولا ينقصه سوى الرضا الذي هو الجوهر، ولا يحتاج هذا إلى علاقةٍ سابقةٍ حتى.

أما من قال بعدم إمكان الإذن فناقشوا أنواع الإجازات في العقود:

الأول: الفضولي، وقالوا أن المقام ليس من الفضولي في شيء، ولكنا قلنا بإمكان أن يكون مثل الفضولي بالتقريب السابق.

الثاني: إجازة الوارث في الوصية بأزيد من الثلث، فقالوا هناك بإمضاء الوصية بالرغم من عدم وجود علاقة بين الوارث والزائد عن الثلث قبل الموت، وإن قيل بوجود علقة بسبب الإرث اللاحق، قلنا أن ما نحن فيه عين هذه المسألة.

الثالث: في إجارة الوقف مع تعلق حق البطون اللاحقة، قالوا بالصحة مع إذن البطون اللاحقة، ولكنهم قالوا بالإختلاف عن ما نحن فيه، والحق أنه كذلك، لأن علاقة البطون كلها متعلقة بالوقف ولكن على نحو التلاحق، وهنا المال ليس ملكاً للوارث إلا بموت المورث.

وفيما يلي نورد ما أورده السيد اليزدي قدس سره في مناقشته للمسألة حيث قال: "قد يقال (وهو قول صاحب الجواهر ومن تبعه) بعدم الجواز لعدم علقة له (الوارث) بالمال حال العقد بوجه من الوجوه (المفترضه التي سيذكرها) ليكون واقعا على ماله أو متعلق حقه و هذا بخلاف إجارة البطن السابق في الوقف أزيد من مدة حياته (إذ يمكن للجيل الأول الموقوف عليهم أن يؤجروا باستمرار بإجازة البطن الثاني إما الآن أو معلقاً على الأجازة اللاحقة لماذا؟) فإن البطن اللاحق يجوز له الإجازة لأن له حقا بحسب جعل الواقف و أما في المقام فليس للوارث حق حال حياة المورث أصلا و إنما ينتقل إليه المال حال موته و بخلاف إجازة الوارث لما زاد من الثلث في الوصية و في المنجز حال المرض على القول بالثلث فيه فإن له حقا فيما زاد (للوارث حق فيما زاد، ولكن هل هو في أيام حياته أم بعده؟ فإذا قلتم في أيام حياته فممنوع لعدم الإنتقال، أما بعده فلا فرق بين المقامين) فلذا يصح إجازته و نظير المقام إجارة الشخص ماله مدة مات في أثنائها على القول بالبطلان بموته فإنه لا يجوز للوارث إجازتها (نحن نقول بإستمرار الإجارة، كالبيع مسلوب المنافع، ثم يبدأ السيد ببيان رأيه حيث قال:) لكن يمكن أن يقال يكفي في صحة الإجازة كون المال في معرض الانتقال إليه (هو لم ينتقل الأن مع احتمال الإنتقال وهو كافٍ للعلقة بينه وبين المال) و إن لم يكن له علقة به حال العقد فكونه سيصير له كاف و مرجع إجازته حينئذ إلى إبقاء ما فعله المورث لا قبوله و لا تنفيذه [5] "، أي يستمر نفس الأمر، لا شيء جديد ولا تنفيذ لأنه ممكن أن يكون الإذن من الآن مثل الفضولي على القول بالنقل.

فالمحصل: إذا كانت المضاربة عقداً قائماً على أساس التراضي بين المتعاقدين أو العرف، لمدة معينة أو غير محدود بزمن، فهو قابل للحوق إجازة الوارث به لإستمراره، والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


[1] العروة الوثقى-ط جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص185.
[2] يبدو أن هذا الإستدلال ورده ناظر إلى الصورة الأولى أي صورة موت العامل. [المقرر].
[3] أنظر: الفقه، السيد محمد الشيرازي، ج53، ص317.
[4] الظاهرة. [المقرر].
[5] العروة الوثقى-ط جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص185.