الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تعدد العمال وتعدد المالكين / أحكام المضاربة / كتاب المضاربة

 

"يجوز اتحاد المالك و تعدد العامل مع اتحاد المال أو تميز مال كل من العاملين‌ فلو قال ضاربتكما و لكما نصف الربح صح و كانا فيه سواء و لو فضل أحدهما على الآخر صح أيضا.."[1] .

 

بالعودة إلى مباني كل بابٍ وعلمٍ وإتضاحها تتضح مشكلات المسائل الفرعية، وفي الفقه وخصوصاً في العقود هناك مباني ذكرها الفقهاء في محلها، إلا أن سبب ذكرهم للمزيد من المسائل الفرعية –كما يبدو- هو الرد على الإشكالات الواردة عند البعض لعدم وضوحها لديهم، ومنها مسألة تعدد العمال فهل يجوز أن يكون المالك واحداً مع تعدد المضاربين؟

لا إشكال في جواز ذلك، لعمومات الصحة، وما نشهده اليوم من فروع متعددة لمالكٍ واحد يعمل في كل فرعٍ عاملٌ معين من هذا القبيل، فإذا جاز تعدد العاملين هل يجوز أن تتفاوت نسبة الربح بين العاملين؟

يجوز ذلك أيضاً لإحتمال إختلاف طبيعة عمل العمال أولاً، وإمكان إختلاف العمال من جهة النشاط والجهد وغيره ثانياً.

وكما يجوز تعدد العاملين، يجوز العكس، بأن يكون العامل واحداً لأكثر من مالك، كما كان ذلك معهوداً في السابق كما بينا ذلك، ويجوز التفاوت في تقسيم الربح أيضاً، لعدم المانع، وكونها عقداً يتبع قصد التعاقدين، فأي قصدٍ يكون للمالك والعامل فهو المتبع.

ولكن قال البعض – من العامة - بعدم جواز التمييز بين الربح إن كان المالك واحداً مع تعدد العاملين، لإعتبار عدم التفاضل في حصص الربح في شركة الأبدان التي صححها البعض رغم منع المشهور منها.

وفيه أولاً: أنا قلنا بإمكان تصحيح شركة الأبدان – خلافاً لما ذهب إليه المشهور - سواء إتحدت نسب الربح أو تفاوتت، كما في الشراكة في بناء الدار حيث يرى الشركاء المصلحة في تقسيمٍ معين للربح بحسب الجهد والخبرة، فإذا صحت في المقيس عليه صحت هنا، إلا أننا قلنا ببطلان القياس.

ثانياً: مع بطلان القياس فلا تقاس المضاربة على الشراكة، لأنها عقدٌ قائم بذاته وإن أفادت فائدة الشركة والوكالة، فما يضيرنا تفاوت حصص الربح مع مبنانا في المضاربة من إعتباره عقداً عرفيا، قد أمضاه الشرع بصفة عامة مثل آية الوفاء، أو بصفة خاصة مثل إقرار النبي صلى الله عليه وآله لمضاربة عمه العباس، وبهذا فكل ما دخل في عنوان المضاربة صحّ إلا إذا دلّ دليلٌ على البطلان، كما أن مبنانا الآخر فيها التخفيف ورفع القيود عنها ليسهل الإسستثمار بالمضاربة ويتيسر التكامل بين المال والعمل من أجل النهوض بإقتصاد الأمم في مقابل الربا.

والذي يبدو من بعض فتاوى العلماء في الفروع أنها كانت درءاً لمشاكل يواجهونها في المجتمع، فربما كانت الفتاوى مؤقتة أو مولوية أو إرشادية، ولذا لا تلزمنا كلماتهم كثيراً بل نتمسك بالأدلة في المقام، وفي هذا السياق قال السيد اليزدي قدس سره في العروة: "يجوز اتحاد المالك (بالرغم من أن عبارة [الإتحاد] معهودة عند الفقهاء إلا أن الأصح هو [الوحدة] لأن الإتحاد هو ما سبقه إختلاف دون الثاني) و تعدد العامل مع اتحاد المال أو تميز مال كل من العاملين‌ فلو قال ضاربتكما و لكما نصف الربح صح و كانا فيه سواء ( لأنه جاء الإيجاب ضمن لفظٍ واحد) و لو فضل أحدهما على الآخر صح أيضا و إن كانا في العمل سواء (كما لو أراد تفضيل الفقير أو تفضيل صديقه) فإن غايته اشتراط حصة قليلة لصاحب العمل الكثير و هذا لا بأس به (إذ يرى العامل مصلحته أيضاً في المضاربة، فلا يقدم على ما لا ربح فيه، فلو لم يكن في إعطاءه القليل تخفيفاً من حقه بل أعطى الزائد للآخر محاباةً له فلا بأس) و يكون العقد الواحد بمنزلة عقدين مع اثنين و يكون كما لو قارض أحدهما في نصف المال بنصف و قارض الآخر في النصف الآخر بربع الربح و لا مانع منه"[2] .

ويبدو أن السيد قدس سره قاس العقد بالعقدين، فكما يجوز في العقدين أن نقوم بتقسيم الحصص متفاوتة يجوز في العقد الواحد أيضاً وضرب البعض[3] لذلك مثلاً آخر هو نكاح إمرأتين في إيجابٍ واحد.

وفيه: أنهما عقدان متمايزان إذا أرادا التمايز ومتحدان إذا أرادا ذلك فهو حسب القصد، فإن كانا عقدين متمايزين وإنما عبر عنها بصيغة واحدة فهما متمايزين كما نكاح المرأتين، أما إذا كان عقداً واحداً ولكنه مع إثنين فهو عقد واحد، وتظهر الثمرة في حال إبطال أحد العاملين، فالقياس بمسألة النكاح مع الفارق.

وكيف كان فلسنا بحاجة إلى هذا القول لعدم القياس عندنا، والفرق بينه وبين ما نعمله هو أنا نرجع الفرع إلى الأصل، أو فقل المتشابه إلى المحكم، بخلاف القياس الذي هو إرجاع فرعً إلى فرع مثله، والسيد أراد إثبات الحكم بنوع من القياس حيث ذهب إلى الجواز في العقد الواحد مستنداً عليه في العقدين، نعم لا بأس بذلك من جهة التوضيح أما من حيث الإستدلال للحكم الشرعي فلا، لأن المستند في التصحيح هو شمول أدلة الوفاء بالعقد له.

ثم قال السيد قدس سره:"وكذا يجوز تعدد المالك و اتحاد العامل بأن كان المال مشتركا بين اثنين فقارضا واحدا بعقد واحد بالنصف مثلا متساويا بينهما أو بالاختلاف بأن يكون في حصة أحدهما بالنصف و في حصة الآخر بالثلث أو الربع مثلا (كما لو أعطى ورثة الميت المال لعامل واحد للمضاربة بالشراكة، ولكنهم يشترطون لأحد الأخوة حصةً أكثر، وقد لا يكون شراكة) و كذا يجوز مع عدم اشتراك المال بأن يكون مال كل منهما ممتازا و قارضا واحدا مع الإذن في الخلط مع التساوي في حصة العامل بينهما أو الاختلاف بأن يكون في مال أحدهما بالنصف و في مال الآخر بالثلث أو الربع‌"[4] .

 

الزيادة من حصة من؟

وتتفرع على هذه المسألة مسألة أخرى وهي فيما لو تفاوتت الحصص في الربح، فهل يؤخذ الربح من العامل أم من أموال الشركاء؟

فإن قلنا بالأول ورضي العامل فلا كلام، أما إذا قلنا بأخذها من حصة الشركاء فيشكل فيه أنه إخراج حصة لأجنبي، أو بأكثر من ماله كما لو كان المالان متساويين وتفاوتت الحصص أو تساوت مع تفاوت المالين.

هذا كله مبنيٌ على القول بعدم صحة جعل حصةٍ لأجنبي، أما نحن حيث قلنا بإمكان ذلك هناك نقول بإمكانه هنا أيضاً، وسيأتي مزيد بيانٍ في البحث القادم.


[1] العروة الوثقى-ط جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص181.
[2] العروة الوثقى-ط جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص181.
[3] الفقه، السيد محمد الشيرازي، ج53، ص302.
[4] الفقه، السيد محمد الشيرازي، ج53، ص302.